رئيس التحرير
عصام كامل

القمح وحرب تكسير العظام!

استكمل ما بدأته الأسبوع الماضى عن ماذا لو لم نبدأ منذ سنوات وقبل حرب تكسير العظام الدائرة الآن بين روسيا وأوكرانيا ومحاولة إفقار العالم كله بمخطط مدروس وينفذ بعناية على كافة المستويات وبأشكال مختلفة.. وفى قضية القمح كوسيلة وحيده للبقاء مع الذرة والشعير كانت الرؤية المستقبلية للرئيس عبد الفتاح السيسى بإقامة مشروع قومى لإنشاء الصوامع مما يقلل من أكثر من 15 % على الأقل من الفاقد ناهيك عن الفساد المعروف.

 
والسؤال هل تؤدى الحرب الروسية الأوكرانية الحالية إلى سعى الفلاح المصرى عن اقتناع لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح والذرة والقطن وعباد الشمس وباقى المحاصيل التي يستخرج منها زيت الطعام وباقى السلع الاستراتيجية مثل قصب السكر والبنجر.. الخ.

 
أقول إن الفلاح يشعر الآن بالخطر وأصبح لا يجد من الدقيق الحكومى المدعوم ما يأكل به بعدما أقلع عن زراعة القمح.. فسعر شيكارة الدقيق البلدى وزن 50 كيلو تباع في السوق السوداء بأكثر من 550 جنيها للشيكارة.. وحين سألت ببراءة مصطنعة، من أين تشترون هذا الدقيق؟ قالوا من الأفران البلدى المتخصصة في بيع الخبز المدعم.. كل فرن لو كانت حصته 10 أجولة فإنه يخبز جوالين ويبيع الثمانية في السوق السوداء والمكسب مضاعف بدون وجع قلب من عمالة ووقود.. 

توزيع الدقيق على بطاقات التموين

لذلك يلجأ أهالى القرى إلى شراء خبز البطاقات التموينية المدعم، مثلهم في ذلك مثل أهل المدن.. والحل كما أرى توزيع الدقيق على بطاقات التموين في القرى لمن يريد من جهة وبأسعار تقترب من السعر الأصلى الذى يشترى به أصحاب المخابز وحتى لو كان غير مدعوم سيكون أقل من أسعار السوق السوداء ونكون ضربنا أكثر من عصفور في وقت واحد:

 
أولا: سيتحول الفلاح بعد اكتوائه بنار الأسعار إلى زراعة القمح ليكتفى ذاتيا من جهة ثم يورد الباقى للحكومة بعد أن ارتفعت أسعار التوريد وإن كان البعض ومعهم بعض الحق يطالبون بأن يقدر مثل الأسعار العالمية التي نستورد بها.

 
ثانيا: سنكون قضينا أو على الأقل حجّمنا من مافيا المخابز والدقيق أو على الأقل وحولنا ما ينهبونه إلى الفلاحين البسطاء 
 

ثالثا: ستعود الأفران البلدى في البيوت إلى العمل مع تشجيع استخدام الوقود الحيوى مع الحطب وغيره بعيدا عن استخدام أنابيب البوتجاز 
 

رابعا: إعادة القرية المصرية التي تغيرت كثيرا في السنوات الاخيرة إلى دورها الإنتاجى.. أعرف أن الأمر صعبا لكنه غير مسحيل، والسؤال، هل يمكن أن نحقق الاكتفاء الذاتي من القمح والذرة والسلع الاستراتيجية؟ والإجابة نعم.

 
ويبقى السؤال ماذا كان وضعنا الآن لو لم نبدأ منذ سنوات وبعد أن بينت الأزمة التي تعصف بالعالم بسبب الأوضاع الجيوسياسية الحالية، أهمية القمح ليست كسلعة استهلاكية للغذاء ولكن كسلعة تحفظ الحياة ذاتها والخطر من نقصه سواء بعدم القدرة المباشرة على زراعته أو فرض بعض الدول الحظر على صادراتها منه تحسبا لما قد يواجه شعوبها من احتياجات في ظل الأوضاع الحالية بل قد يصل إلى التهديد به كسلاح خطير في الحرب الروسية الاوكرانية لإغراء الحلفاء أو معاقبة الأعداء!

الاكتفاء الذاتي من القمح 

أعتقد أنه ولأول مرة في مصر منذ أكثر من 40 عاما توجد إرادة حقيقية للاكتفاء الذاتي من القمح وتحولت التوجيهات الحكومية إلى تشجيع على زراعته بعد أن كانت في الماضى تصل إلى محاربة زراعة القمح، للدرجة التي وصلت بإصدار توجيهات من بعض الوحدات الزراعية للفلاحين بتقليل المزروع من القمح أو إغراء الفلاح ببعض الزراعات المربحة عن زراعة القمح وللدرجة التي قالها وزير كبير في حكومة مبارك بصراحه: لماذا نزرع القمح وسعره في الخارج أقل، ولم يراع ذلك الوزير الأمن القومى المصرى الذى لا يقاس بالمكسب المادى المباشر.

 
والبداية كانت بنظرة مستقبلية إستراتيجية لتأمين إنتاج القمح سبقت التوجيهات الرئاسية للحكومة وقبل اندلاع هذه الحرب بمنح المزارعين حوافز إضافية للتوسع في إنتاج القمح مع خطة الحكومة لزيادة المساحات المزروعة.

 
ولم يقف الأمر عند التوجيهات بل انتقل إلى أرض الواقع في توشكى والأراضى الجديدة بزراعة مساحات كبيرة من القمح للدرجة التي تقول فيها وزارة الزراعة إن عام 2025 سيشهد نحو 65% من الاكتفاء الذاتي وشهد الرئيس السيسى بنفسه الاحتفال بموسم الحصاد في توشكى حيث مساحة القمح تصل لـ نحو 225 ألف فدان في مشهد أسعد الجميع وترجم وجود إرادة سياسية على أرض الواقع.


ويؤكد وزير الزراعة واستصلاح الأراضي السيد القصير أن المساحة المزروعة بالقمح شهدت زيادة أكثر بنحو نصف مليون فدان، مقارنة بالعام الماضي مع زراعة كميات إضافية من القمح في الفترة المقبلة، في إطار حرص الحكومة المصرية على العمل لتحقيق الاكتفاء الذاتي.. وحسب تقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، فإن الدولة المصرية تستهدف زيادة الكمية المزروعة بمحصول القمح بنحو 1.5 مليون فدان خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.

 

وطبعا الأمر ليس مقتصرا على زيادة الرقعة الزراعية أفقيا فحسب ولكن زيادة الانتاجية يضاعف أكثر من مرة المساحة المزروعة بالأبحاث الزراعية ومواجهة تحديات نقص المياه بأساليب الري الحديثة..

 


وأعتقد أن شعور الفلاح بالخطر والاكتواء بنار أسعار الدقيق بسبب تقاعسه طوال السنوات الماضية يمكن أن يعجل من الاكتفاء الذاتي من القمح أكثر مما نتوقع.. وأعتقد أن شعور الفلاح بالذنب من تبوير أرضه بالبناء عليها قد يكون حافزا للمحافظة على ما تبقى من جهة ومن جهة ثانية الهجرة إلى الأراضى المستصلحة الجديدة وأعتقد أن الفلاح في الدلتا والصعيد هو الأقدر على خلق ملايين الافدنة الجديدة إذا وفرنا له الظروف المناسبة له ولأسرته في الصحراء!
yousrielsaid@yahoo.com

الجريدة الرسمية