زلزال تركيا وذكريات زلزال 1992!
الظن الشائع السائد في اللحظة الحاضرة منذ بدأ زلزال القرن، زلزال يوم القيامة في تركيا وسوريا ولبنان والعراق ومصر، قبل أيام وساعات، أن الأرض تتهيأ لحدث عظيم أليم، وحين يتحدث الناس عن هذ الحدث الهائل الحاسم فإنهم لا يعطون الوصف المباشر، فلا يقولون إن يوم القيامة وشيك تأدبا، لأن علم الساعة عند الله وحده، سبحانه وتعالى.
علامات الساعة الكبرى والصغرى معروفة، لكن توالى الكوارث، من مظالم غير مسبوقة، وأوبئة متدافعة لإزهاق الأرواح، وتغيرات مناخية يصعب تجاهل أعراضها الغريبة، وحروب طاحنة، وجوع يضرب الشعوب وندرة تتوحش، وجرائم مروعة يتفنن فيها المجرمون، ثم يجئ الزلزال الذي زحزح تركيا ناحية الغرب بمسافة ثلاثة أمتار، ليعاود الناس ظن يقترب من التسليم بأن الأرض حقا تقترب من حدث جلل وتتهيأ له.
وقت المصائب الكبرى يفزع الناس إلى السماء التى بأمر الله حركت فوالق الأرض، فارتفع صخر ونزل صخر فتهاوت البنايات والقلوب وتحطمت العظام ودفن الناس أحياء تحت أنقاض ما احتموا به وعاشوا فيه آمنين مطمئنين، ظالمين أو مظلومين، أغبياء القلب كما أغبياء العقل، أم هم من الصالحين."إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا".. هو الرعب الأعظم يأتيك من حيث اطمأنت جوارحك، فنمت فإذا بالفزعة الكبرى تطوي النائم فتقبره.
ذكريات زلزال 1992
رعب مثل هذا عشناه في القاهرة أساسا وبعض محافظات مصر وكنا في أكتوبر، عام 1992، بزلزال كان 5,8 ريختر تقريبا، فلفظت البيوت سكانها، وسقطت الهشة منها وما أكثرها علي أهلها، وعرف جيلنا لأول مرة معنى الخوف الداهم. بالضبط بالضبط، هو خوف داهم. متجدد، وبخاصة من التوابع الملعونة، تتوالى هزة بعد هزة..
وحتى بعد هدوء التوابع بقيت الهزات داخلية، وأذكر جيدا أن المرء كان يشعر بالهزات، وسط زملائنا في روزاليوسف، في الطابق الخامس، فتتبادل العيون النظرات متسائلة، فيقطع أحدنا أن الهزات وقعت، فنخجل من الاعتراف بأن نفوسنا هي التى اهتزت وتهتز، ولقد استمر ذلك طويلا، فقد كان مركز زلزلال القاهرة علي بعد 35 كيلو مترا فقط..
وحين وقع كنا في اجتماع تحرير لمجلة كل الناس، والحضور رئيس التحرير عماد أديب، وزوجته وقتئذ هاله سرحان نائب رئيس التحرير، وعمرو أديب ولميس الحديدى والمرحوم محمود نافع، ونخبة من ألمع الصحفيين الشبان في مصر، وكانت المناقشة حول تراجع بعض أرقام التوزيع في عدد واحد فقط، بعد نجاح كبير حققته المجلة، فتحدثت هالة سرحان متعجبة عما جرى، وضاغطة نحو بذل مجهود أكبر، وارتفعت حرارة صوتها كالعادة إذا تحمست وسخنت، وقالت: كنا كويسين إيه جرى، فين الحوادث، فين الكوارث.. فين المصايب.
ولم تكد تنتهي من كلمة كوارث ومصايب، حتى رجت العمارة البرجية رجا في شارع جزيرة العرب بالمهندسين، وكنا عصرا فيما أذكر، واهتز المكان وتدافعنا، لنجد كل طاقم التحرير والإدارة، عماد أديب وهالة سرحان وكلنا في الشارع في غمضة عين. كيف قفزنا من الطابق الأول إلى الطابق الأرضي فالشارع في ثوان، إنه الخوف الرهيب.. وأعقب ذلك زحام هائل على التليفونات للاطمئنان علي البيوت والعائلات.. وفي الليل ذقنا رعبين، التوابع والبرد القارص..
فلقد نمنا في الحدائق، وهجرنا كل ماله سقف..
تداعت الصور والدموع إلى قلبي وإلى قلوب الملايين بالتأكيد، ونحن نتابع أهوال زلزال القيامة في سوريا وتركيا، الذي لا يزال يواصل تململه، فيسقط البيوت ويحطم الأمان، ويدمر النفوس.. إنه شئ من الخوف ترد به السماء علي ظلم البشر للبشر!