صباح الخير من الجحيم
صباح الخير، أحدثكم الآن من العالم الآخر بعد تحقق نبؤة نهاية العالم كما في الأفلام الأمريكاني وقصص الخيال العلمي، ففي السابعة صباحًا اصطدم كوكب حقير بكوكبنا الحبيب فدمره كله إلا جزء بسيطا منه وانتهى العالم.. تقريبا.
أصدقائي ممن كتب لهم البقاء رغم دمار العالم، أحدثكم صدقًا.. لا داعي للقلق علينا، فنحن هنا في الجحيم نعيش عيشة مساوية تمامًا لما كنا نعيشه على الأرض إلى جواركم. فالأسعار هنا أيضًا مبالغ فيها، والطرق مزدحمة بالسيارات والهواء ملوث والناس تأكل بعضها لكننا لسنا من الزومبي والفامبير ولا الكانيبال.. نحن بشر طبيعيون مثلكم.. نأكل بعضنا مثلكم.
هنا أيضا، استيقظت كصباح كل سبت واغتسلت وارتدت ملابسي وذهبت إلى عملي كالمعتاد فوصلت متأخرا رغم أنه يوم إجازة لكثير من الرفاق. لقد اصطبحت بالوجوه ذاتها ورأيت المعالم نفسها، بداية من المرأة العجوز التي طردها عيالها ليبيعوا شقتها ويقتسمون ثمنها بما لا يرضي الله، مرورا بطفلة جارتي التي تلهو في التراب وشقيقتها التي تبيع المناديل في الإشارات.
رأيت البلطجي ذاته يبصق على الأرض وهو يتناول الأتاوة من سائق الميكروباص الذي زعق فينا: «صباحكم أسود زي وشوشكم» وهو يرفع صوت مطربه المفضل والمزعج كصوت كلاكس سيارته التي انتهت صلاحيتها قبل 20 عامًا.
وفي الطريق مر إلى جواري رجل أشعث أغبر، سمعته يتمتم: «جهزت الكبيرة بالسلف والدين ولسه بسدد. طب دي هجهزها منين. أنتحر! طيب البت تقول علي إيه. أبويا انتحر قبل ما يجهزني!».
رأيت شابًا يزفر همه مع دخان الشيشة انتظارًا لفرصة عمل.. وفي الطريق أيضا رأيت ذلك الصبي الذي يتبول على الجدار، وصديقه النائم في ظل الجسر البعيد.. رأيت كسيحًا على كرسيه المتحرك يمضغ نظرات الشفقة.. رأيت كلبًا يلهث وقطة تحمل صغيرها بين أسنانها.
رأيت فتاة في التاسعة تلاحقها العيون الجائعة وتنهش جسدها اللين.. رأيت رجلًا وزوجته يتصارعان، فقضم أذنها وفقأت عينه.. رأيت شرطيًا يبعثر بقدمه قطع الحلوى ويسحب العجوز إلى العربة.. رأيت صحيفة تكفن حذاء.. رأيت ورأيت ورأيت.
صديقي القابع في آخر ركن بالعالم، صباح الخير من الجحيم.
