الحياة بين صوتين
قبل أسبوع واحد فقط لا غير، وبينما كنت أقود سيارتي الإكس سكس، لفتت نظري شابة آية في الجمال، سلبت عقلي وانخلع لها قلبي، وكدت من فرط الجمال –كما كل معلمين القصب- أذوب. لكن الحمدلله ربنا ستر، واستطعت أن أسيطر على دركسيون السيارة في آخر لحظة، قبل أن اقتحم سوقا على جانب الطريق، في تجسيد واقعي لمشهد الشيخ حسني وهو يقود موتوسيكل الواد سليمان جوز البت روايح.
لمحت الشابة الجميلة تشير لتاكسي، فلما توقف ركبت وانطلق السائق في طريق مظلم، يزجزج بين العربيات كما الحية التي تتلوى، فتتبعتهما بسيارتي إلى أن توقف التاكسي ونزلت الشابة، ثم سرعان ما دلفت إلى إحدى البنايات، فركنت سيارتي صف تاني، غير عابئ بما سوف يحدث من عسكري المرور الواقف على بعد خطوات، وانطلقت لألحق بها.
سبقتني بنت الإيه، وصعدت في الأسانسير، الذي توقف في الدور السابع، فلم أتحمل الانتظار وصعدت على السلم بسرعة أرنب فاته باص المدرسة، وبينما كنت ألتقط أنفساي بصعوبة بالغة، وقفت والحيرة تنهش عقلي، ففي أي الشقق تسكن تلك الحسناء التي سبقتني.
وعلى طريقة تالتة أول، رحت أغني «حادي بادي كرنب زبادي»، حتى استقر اختياري على الشقة الكائنة يسار الأسانسير، ودونما تفكير ضربت الجرس، فانفتح الباب ويا سبحان الله.. طلعت الشقة غلط! ربما تسأل وكيف عرفت، فأقول لك أن من فتح لي الباب كان طفلا لا يشبه البنت التي أبحث عنها، فلا يمكن أن يكون شقيقها الأصغر، وبالطبع لا يستقيم أن يكون طفلها، فهي بالكاد أكملت عقدين اثنين من عمرها المديد السعيد.. إن شاء المولى.
صوت شتوي وصوت صيفي
المهم، ضربت جرس الشقة الثانية، فخرجت هي بشحمها ولحمها (وهذا ليس مجازا فهي كيرفي كما يقول الكتاب)، فتبسمت وكأنها من خدمة العملاء، وقالت في صوت شتوي ياسميني يذوب الحجر: أهلا يا فندم، حضرتك عايز مين؟!وقفت كالأبله لنحو دقيقة نصف، ثم قلت ونصف ابتسامة ترتسم على وحهي: بابا موجود يا قمر؟ اندهشت البنت وكأنني زرعت خنجرا في خصرها، وقالت بجدية: قمر؟ أنت تعرف اسمي منين؟
لربع ساعة كاملة حاولت أن أشرح لها أنني اصفها بلفظ قمر هذا لأنها غاية في الجمال، لكنها لم تصدقني، وراحت تستجوبني كما محققي الجرائم، حتى خرج علينا والدها وفض الاشتباك. جلست والرجل في غرفة الصالون المذهب، فالشقة تبدو وكأنها قدت من ثمانينات القرن الماضي، ذوقها بشواتي مع لمسة أنثوية هوانمية لا تخطئها عين.
قلت له: يا عمي زوجني ابنتك. فقال: اعطني فرصة أسأل عنك، ثم بعدها نستطلع رأي قمر.. أجرى الرجل مكالمتين هاتفتين، ثم عاد وقال: سمعتك زي الجنيه.
للحق، ساعتها وقع قلبي في رجلي، فسمعة الجنيه كما تعلمون لا تسر عدو ولا حبيب، غير أن الرجل عاجلني بإضافة كلمة (ذهب) للجنيه، فصارت سمعتي كطائر يحلق في السماء، وانشرح قلبي وارتسمت على وجهي ابتسامة من الأذن للأذن.
جاءت قمر وقالت في غضب: أنا لا أحبه يا أبي ولن أتزوجه، كما أنه أكبر مني سنا، أضف إلى ذلك أنه ليس وسيما. لكنني لم أغضب وقلت لها إن العشرة ستذوب كل هذه الأمور، وستصبح كل هذه الأشياء المختلف عليها كما قشر البطاطس المسلوقة، مسيرها تقع وحدها، ثم أخرجت هاتفي وقلت لها: قولي آه وسأحول لك في التو مليونين من الجنيهات.. أقصد الدولارات، على سبيل المهر والشبكة.
راحت قمر تبكي، بينما غمز لي أبيها بعينه اليمنى وقال: سيبهلي أنا.. ثم ذهب إلى غرفة ابنته، التي كان صوت نحيبها كفيل بإزعاج الموتى في قبورهم، وراح يشخط وينطر ويصرخ، إلى أن كفت قمر عن البكاء.. ولكن في غير رضا.
في تلك اللحظات استيقظ ضميري، وقلت في نفسي: كما أنا مادي حقير، أريد شراء بنات الناس بفلوسي، ثم اسرعت نحو الشباك لألقي بنفسي إلى الشارع، لعل انتحاري يكون شفيعا لقذارة نفسي وغروري الذي جعلني أتصور أن المال كفيل بمداراة عيوبي.
وبينما كان نصف جسدي خارج الشباك، سمعت صوتا صيفيا ينادي: ما تدخل يا أستاذ من الشباك لميكروباص معدي يهفك وتجيبلي مصيبة.. دي زباين إيه دي.. الله يحرقكم. سحبت نصفي الأعلى من الشباك، فوجدتني داخل ميكروباص فيصل- تحرير.. ورحت ألعن داء السرحان الذي أصابني منذ تعويم الجنيه.