رئيس التحرير
عصام كامل

ماذا عن القوى الناعمة لمصر؟!

القوة الناعمة لأي دولة تكمن في قدرتها على إلهام الآخرين والتأثير فيهم وإبهارهم وربما الضغط عليهم لتحقيق مصالحها  بما تملكه من قدرات وما تقدمه من إسهامات فعالة للحضارة الإنسانية بأدوات كثيرة، ثقافية وفنية وعلمية واقتصادية. تاريخيًا.. كان لمصر قوة ناعمة ملهمة ومؤثرة في محيطها العربي ولا تزال مؤسسة الأزهر الشريف تنهض بهذا الأمر على نحو جيد.


سياسيًا فإن مصر تلعب دورًا رئيسيًا مهما في حل قضايا وأزمات منطقتها في الملف الليبي والفلسطيني وغيرها.
أما منبع القوة الناعمة فهو يختلف عن مساراتها ومظاهرها؛ فالمنبع هو فكرة ملهمة تبث التأثير في النفوس والعقول وتحظى بالقبول كما حدث في مصر التي ألهمت حركات التحرر في العالم  خلال الحقبة الناصرية مثلا، أو في نشر فكرة القومية العربية بصرف النظر عما تحقق في الواقع العربي.   


فهل تراجعت تلك القوى وضعفت.. وأين ذهبت ثقافتنا العالية في بلادنا ولماذا زاحمتها ثقافة السوقة المهرجانات بمضامينها الفنية والاجتماعية والسياسية المسيئة.. وماذا خسرنا بغياب الدولة عن الإنتاج الفني الداعم للقيم الأصيلة لمجتمعنا حتى عادت في السنوات الأخيرة لهذا الإنتاج بأعمال فنية لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.. 

دو الثقافة والفن

وإذا  كان الفن أحد مقومات القوة الناعمة لمصر فهل ما نراه من إقبال الفنانين المصريين والعرب على المشاركة في موسم الرياض في السعودية الشقيقة هو بمثابة سحب للبساط من تحت أقدام مصر الرائدة في الفنون والثقافة والعلم بمعناهما الشامل؟


وإذا كانت الإجابة بنعم.. فلماذا تراجعت الأعمال الفنية البناءة وتقدمت أعمال أخرى تخاطب الغرائز وتنمي قيم الاستهلاك النهم دون تدقيق أو تمحيص أو وعي.. في السنوات الماضية؟!


لماذا اختفت الأعمال القيمة كتلك التي أبدعها أسامة أنور عكاشة في الدراما التي عاشت ولا تزال في وجدان المصريين والعرب لسنوات طويلة.. ولا تخجل الأسرة المصرية من الالتفاف حول الشاشات دون أن تجد فيها لفظًا خاشًا أو مشهدًا يجرح الحياء العام أو يستفز المشاهد بما ينطوي عليه من بذخ وسفاهة وبذاءة؟!


الثقافة في رأيي أهم مكونات القوة الناعمة لأي دولة؛ ومن ثم فلا عجب أن نرى سباقًا محمومًا بين الدول الناهضة في نشر لغاتها وتاريخها وجامعاتها في دول أخرى لترسيخ صورة ذهنية إيجابية لنفسها عن طريق التعليم بشتى صوره.
لكن هل يمكن للثقافة أن تعمل بمعزل عن القوى الأخرى..وكيف يمكنها أن تكون ظهيرًا لكل عمليات التنمية والعدالة الاجتماعية.. فهل يمكن للعدالة أن تتحقق دون ثقافة تعزز هذا المفهوم في المجتمع.


استعادة الدور الريادي لمصر في أفريقيا والعالم العربي يجب أن تبدأ من صناعة الكتاب والوعي وصناعة السينما والدراما.. ومن حسن الحظ أن لمصر جاذبية وتفضيل لدى الدول المحيطة بسبب ما عرف عنها من  قيم التسامح الحضاري وكرم الضيافة..    


إذا أردنا تعظيم الدور والتأثير المصري في كل المجالات فليس أقل من إدارة حوار جاد يعيدنا للتعامل مع الأمور بطريقة أفضل وبنظرة موضوعية فيها من المكاشفة أكثر مما فيها من المكابرة  والإنكار، وأن يأخذ بعضنا بعضًا على محمل الجد، إذا كانت لدينا الرغبة في التعلم من أحداث التاريخ ودروسه.

الجريدة الرسمية