حروب مصرية بيتية!
كما تحتدم المعارك حاليا على الجبهة الروسية الغربية، في أوكرانيا، فإنها تحتدم بقوة داخل الغالبية العظمى من بيوت العائلات المصرية. صواريخ هناك، وصواريخ هنا، قذائف مدفعية هناك وقذائف مدفعية هنا، غارات صباحية ومسائية هناك، وموجات هم وغم ومباكتة صباحا ومساء هنا.
الحق أن جيل الآباء والأمهات الحالى هو ذاته جيل الأبناء والبنات الذي عاش في كنف أب وأم وأجداد، بحكم التكافل والترابط القوى قبل خمسين عاما، وهم تحت قصف وضغوط عديدة، منها الحرب العالمية الثانية، ثم حرب العدوان الثلاثي والانتصار السياسي الناجم عنها، ثم حرب اليمن، ثم حرب يونيو والهزيمة، ثم حرب الاستنزاف العظيمة، ثم حرب أكتوبر المجيدة..
وكنا نحن الآباء الحاليين أبناء تلك الحقب، على مختلف الأعمار حاليا، وبالطبع حصلت مناوشات داخل كل بيت وحصلت هموم وغيوم وتراكمت ديون، كنا منها في الهامش واللاوعي، لكن ليس بحجم النازلة الكبرى التى نحن فيها الآن.
أخطر ما في تداعيات الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الصراع الكوني الجاري بين الشرق والغرب، وهو مرشح للتصعيد بقفزات رهيبة، حدوث تشققات جوهرية في بنية الأسر في العالم، ربما تكون عواقبها ومظاهرها أفدح في المجتمعات التى لا تزال تحتفظ بمعنى انساني للبيت، كما في مصر ودول عربية، منخفضة الدخل.
صورة الأب في الأسرة
لقد ضرب الأغنياء بحروبهم فقراء العالم، بل ضربوا شعوبهم باستنزافهم لمواردهم، فإذا كان الانجليز والألمان والفرنسيون والكنديون والطليان يصرخون، فما بالك بنا نحن هنا. المرتب محدود، ودخل الدولة محدود، والوارد من الخارج محدود، وأسعار الغذاء والطاقة تتوحش.
إنها معادلة قاتلة، وعند الغضب والانفجارات العائلية تنسى الزوجات والأمهات الأسباب، فقد ضقن بها ومن تكرارها، ويأخذن فى الشكوى والسخط على العيشة. معظم بيوتنا الآن فيها صوت واحد ونغمة واحدة ونشيد واحد جنائزي، "منين وفين وعلى فين".
الزوجة المصرية فى موقف صعب، لكن الأب، الزوج في مأزق داهم، فهو المسئول عن تدبير الموارد لأسرته الصغيرة، شأن الدولة كأسرة ورئيسها كمسئول أكبر، وهو عاجز بشكل شبه كامل عن مواصلة كفاية البيت، بالكاد حتى الأسبوع الأول ونصف الثاني، وكلما اشترت زوجته سلعة، أطلقت نشيدها الجنائزي، جنازة عويل وشكوى وسخط طول النهار!
تلك هي الساعات التى تتهاوى فيها صورة الأب، ويبدو كسيرا ليس فقط في عيون زوجته، وتوجد زوجات مفتريات لا يرحمن، بل في عيون أولاده وبناته.
خناقات البيوت تتوالى وحرب الروس والأمريكان في أوكرانيا تتصاعد، ولا يوجد ضوء في نهاية هذا النفق المعتم.. فلنجعل الضوء ينبعث من داخلنا، ولنتصبر، كما تصبر جيل آبائنا وأمهاتنا، ولنتحمل، لأن استمرار السخط يعمي القلب عن الحمد لله، وعما نحن به مازلنا على قلته، لكن الحمد لله تسليم بأن الله قسم وقدر، وعلينا الرضا وعلينا الصبر.. فلنتساند جميعا، لأن القادم أصعب، مع استمرار الحرب الملعونة، لقد اشعلوها هناك فاحرقوا هنا!