خبز الميزان وخبز الكارت!
تلقيت ردود أفعال، فيها من السخرية، وفيها من الغضب، وفيها من الحسرة، بعد مقال الخميس الماضي عن شحن الخبز على كارت تمويني حكومي.. وغنى عن البيان، تعبير قديم لكنه شغال، أن لرغيف العيش مكانة شبه مقدسة لدى المصريين، ومن أبرز الأمثال "عض قلبي ولا تعض رغيفى، إن قلبى على الرغيف ضعيف بكسر الفاء"، يقولها الموظف حين يخصم من راتبه، فيعتبر الخصم عدوانا على طعامه وطعام أولاده.. ولم يحدث فى تاريخ اللقمة المصرية أن تعرض رغيف العيش المصرى للإهانة كما هو حادث الآن، وصار موضع تندر وسخرية المصريين بعد أن تقلص وصار بحجم الكحكة، أو قرص القرافة!
وكنا أشدنا الأسبوع الماضي هنا، بقرار وزارة التموين ببيع الرغيف السياحي، وزن تسعين جراما، ب 65 قرشا عن طريق كارت مشحون يمكن شراؤه من مكاتب البريد، ويشحن كلما فرغ من فورى وغيرها، لكن جمهور القراء هاجم الفكرة، واعتبر الحكومة عاجزة عن مواجهة أصحاب المخابز، وأنها ستعطيهم الدقيق، وسيلتزمون شهرا أو بعض شهر بالوزن، ثم لن يلبثوا أن يواصلوا تقليص الوزن والحجم، وقد يرفعون السعر..
مسئولية الحكومة
وأرسل إلى أحد القراء صورة لرغيف سياحي بجنيه ووزنه علي ميزان في بيته، فوجده 59 جراما. ووضعه على كفه فبان مثل قرصة صغيرة!
مخاوف الناس ليست من فراغ، ولعبة القط والفار عريقة بين الحكومة والمخابز، ومفتشو التموين بينهم من يعمل ضد وظيفته، ودوره في الرقابة، ومن أجل هذا اقترح البعض أن تنشئ وزارة التموين سلسلة مخابز حكومية في أراض فضاء بالقاهرة والجيزة والمحافظات، يباع فيها الخبز دون سرقة وزن أو غش فى مواصفات..
واقترح البعض الآخر بديلا عن مخابز منافسة للقطاع الخاص، أن تلزم الحكومة هذه المخابز بالبيع بالميزان، وهذا هو العدل المضبوط، وكل من البائع يأخذ حقه والمشترى يأخذ وزنه الصحيح، بدون هذه الآلية، سيظل المواطن ناقما على تجار العيش، وساخطا على حكومة يرى أنها مكبلة فى مواجهة تجار تحالفوا عليها، ليس فقط في سلعة من أعز السلع لدي الشعب وهى الرغيف، بل في السلع وفي الخدمات كافة.
لقد أفرجت الحكومة عن سلع غذائية ومستلزمات إنتاج بما يزيد على 16 مليار دولار، وكان يجب أن تنخفض أسعار الغذاء واحتياجات الناس، لكن الإفراج تم لصالح المستوردين، وأخذوا الشعب رهينة احتكاراتهم. لا الفول انخفض، ولا البيض، ولا الفراخ ولا الزيت، ولا اللحوم.
لا يشبع المصرى إلا بالخبز والأرز، تلك ثقافة مصرية عريقة، والآن إذ يتعرض للعدوان على مكونات طعامه، فإنه لا يعرف التجار، بل يعرف الساكت عليهم، العاجز عن مواجهتهم، يعرف أن الحكومة هى المسئولة عن توحش التاجر المصرى، كما أنها المسئولة عن تراكم السلع بأرصفة الموانئ، كما فاجأتنا أن الخزينة خلت من الدولارات بين يوم وليلة!
بيع العيش بالكارت فيه تقنين وروتين وزحام، والأفضل من الكارت الميزان.هذا ما يريده الناس، ووفروا لعبة الكارت التى يراها البعض جمعا لمليارات أخرى من الجنيهات.. أو جباية مبتكرة مستترة.. واجهوا اللصوص أفضل.