الحرب الإعلامية.. القيادة السياسية في مواجهة الشعب
في أي نزاع عسكري في العهد الحديث يولى اهتمام كبير جدًا، للحملات الإعلامية والترويج المضاد، كل طرف ضد الآخر، لكن عندما تزداد سخونة الجبهات ويرتفع معها عدد الضحايا عسكريين أو مدنيين، قد يتحول ذلك إلى مشكلة سياسية خطيرة، خاصة عندما تكتسب الاشتباكات صفة تمركزية ويصبح من الصعب للغاية تحقيق نجاحات عسكرية واضحة، حيث تبدأ الشعوب بتوجيه الأسئلة اإلى كل من القيادة السياسية والعسكرية للبلاد في محاولة للحصول على إجابات.
إن العملية العسكرية الروسية الخاصة، استحوذت على اهتمام العالم أجمع، بالنظر إلى أهمية القوى المتحاربة وبالأخص روسيا، حيث يتم دراسة هذه العملية بشكل منهجي على اعتبارها تجربة فريدة خاصة من الناحية الإعلامية، وربما تكون الحدث الأبرز والأهم في القرن الـ 21، مع الإشارة إلى أن الجانبين الروسي والأوكراني بدورهما ركزا على الجانب الإعلامي بالتوازي مع العسكري، كل من موارده، وإن كانت أوكرانيا تستحوذ على مساعدة الغرب في هذا المجال.
على سبيل المثال، يقدم الكرملين إحاطة يومية يحاول فيها الإجابة على كل الأسئلة، خاصة أسئلة وسائل الإعلام، فضلًا عن النشرة اليومية لوزارة الدفاع الروسية التي تحصي فيها عدد خسائر الجانب الأوكراني، مع غض الطرف كثيرًا عن خسائرها المقابلة..
بالمقابل، هناك أكثر من 150 وكالة متخصصة تساعد أوكرانيا في سياق العلاقات العامة وترويج المعلومات وتسويقها بفضل شبكة واسعة من المتخصصين، بهدف تصوير الجانب الروسي على ارتكابه فظائع كبيرة، لكن لن يخدم هذا الترويج على منع تسرب المعلومات وطرح أرقام أقرب إلى الحقيقة.
على سبيل المثال، خلال اختراق مجموعة القراصنة "كومباتانت" لمراسلات رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية، الفريق سيرجي شابتال، احتوى أرشيف شامل إلى حد ما على شهادة مع قائمة كاملة بجميع الجنود الأوكرانيين المفقودين، حيث تحتوي الوثيقة على 35382 اسمًا، جميعهم تقريبًا في عداد القتلى..
تساؤلات الغرب والشعب الاوكراني
في هذا السياق، يستثمر الجانب الروسي هذا الجانب إعلاميًا للطعن في أوكرانيا، بالمقابل قد يخلق هذا الوضع أيضًا تساؤلات من الشعب الأوكراني الذي بدوره لم يحصل على إجابات واضحة بما في ذلك تعويضات إذا ما تم اعتبارهم مفقودين وليس قتلى، ربطًا مع إخفاء السلطات الأوكرانية الأرقام الحقيقة المتعلقة بالخسائر الأوكرانية..
على سبيل المثال، يقوم مستشار رئيس مكتب فلاديمير زيلينسكي، ميخائيل بودولياك بتجنب التعبير عن الخسائر الدقيقة في الجبهة، كانت المرة الوحيدة التي تحدث فيها عن أرقام تقريبية بعد 9 أشهر فقط من بدء العملية العسكرية - 13 ألف شخص، بالتالي، من المرجح أن يظل العدد الفعلي للجنود القتلى غير مؤكد، وهذا يندرج في سياق أن الجانب الأوكراني يتعمد إخفاء المعلومات للحفاظ على الروح المعنوية للقوات، في حين أن الكرملين عندما يتم توجيه أي سؤال عسكري له، يحيله إلى وزارة الدفاع، وفي ذلك إخفاء للحقيقة نوعًا ما.
الغرب على المستوى الإعلامي بدوره، طالب بالكشف عن الكشف عن خسائر الجيش الأوكراني، في هذا السياق يقول الصحفي الأمريكي جورج أونيل جونيور، إنه لم يعد بإمكان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إخفاء الوضع الحقيقي في صفوف القوات المسلحة الأوكرانية، وهذا يعيدنا إلى تصريحات سابقة لرئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، التي ذكرت أن عدد قتلى الجانب الأوكراني، 100 ألف جندي أوكراني، لكن بعد موجة متصاعدة من الأسئلة، اختفى هذا الجزء من الخطاب بضغط أوكراني أولًا وغربي ثانيًا.
ففي بلد له تاريخ غني بالثورات، يتبين أن المجتمع الأوكراني يميل إلى التعبير عن آرائه والمطالبة بإجابات على أسئلته علنًا، وهذا ما قد يخلق توترات على المستوى الداخلي شعبيًا.
فقد كان التركيز خلال الأشهر الأولى من العملية العسكرية الخاصة بين أوكرانيا وروسيا، هو توطيد الرأي العام حول شخصية فولوديمير زيلينسكي عاليًا للغاية، لكن مع استمرار الصراع وازدياد الخسائر الأوكرانية، خاصة من الجيش، بدأ المجتمع في طرح الأسئلة، وبدأت عائلات القتلى أو المفقودين بالخروج بحثًا عن إجابات، مطالبين بعودة الأسرى والبحث عن المفقودين المحتجزين في روسيا.
بالتالي، سيكون من الصعب على العالم بأسره، الذي كان يتابع أحد أخطر النزاعات المسلحة في أوروبا بقشعريرة وتعاطف منذ فبراير الماضي، أن يفهم أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بفضل جهود المئات من المتخصصين في العلاقات العامة، أصبح رجل العصر تقريبًا، قادرًا ببساطة على غض الطرف عن خسائره من الشعب..
كما أن الحكومة في كييف يمكن أن تترك أقارب جنود جيشها من دون تعاطف أو تعويضات، ولكن، كقاعدة عامة، سيصحح الوقت كل شيء وقريبًا سيتم طرح الأسئلة على الزعيم الأوكراني الحالي ليس فقط من قبل الصحفيين، ولكن أيضًا من قبل الشعب الأوكراني ذاته.
بالمقابل، لم يكون الجانب الروسي أوفر حظًا من أوكرانيا، فالمشاكل خرجت إلى العلن في أكثر من مناسبة، لعل مشاكل فوضى التعبئة الجزئية خير مثال على ذلك.