نحن ومساعدات الأشقاء!
احتفى إعلام الإخوان كثيرا بما قاله وزير المالية السعودي حول انتهاج بلاده سياسة جديدة لتقديم المساعدات المالية لجيرانها تقضى بالتزامهم بتنفيذ إصلاحات لاقتصادياتهم.. ورغم أنه لم يحدد دولا إلا أن إعلام الإخوان اعتبروا أن هذا التصريح مقصود به مصر تحديدا.. وهنا لا يمكن كتم بعض الملاحظات على هذا الأمر..
أولا هذا هو نهج سعودى قديم وليس جديدا كما يبدو من تصريحات وزير المالية السعودي.. واستخدم الأشقاء السعوديون هذا النهج معنا فى السبعينيات حينما واجهنا أزمة اقتصادية.. فهم ربطوا تقديم العون المالى لنا بإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولى يقضى بتنفيذ برنامج للإصلاح المالى والنقدى..
وقد تعذر هذا وقتها، لأن الرئيس السادات ألغى قرارات رفع الأسعار وتخفيض الدعم التى كان متفقا عليها مع الصندوق بعد انتفاضة يناير ١٩٧٧، ولذلك تجمد الاتفاق مع صندوق النقد.. ولعل ذلك كان أحد الأسباب التى قادت الرئيس السادات لزيارة القدس وإبرام اتفاق كامب ديفيد الذى أعقبه الحصول على مساعدات امريكية اقتصادية وعسكرية.
ثانيا أن المساعدات العربية لمصر كانت بدايتها بعد هزيمةً يونيو وتقررت في إطار قمة الخرطوم وقتها، وإستمر الأشقاء العرب في الخليج يقدمون بعض المساعدات الرمزية في عهدى السادات ومبارك وأيضا في عهد مرسى.. غير أن المساعدات العربية الخليجية لنا شهدت طفرة ملحوظة وكبيرة بعد انتفاضة يونيو ٢٠١٣ التى أنهت حكم الإخوان..
وكان الأشقاء العرب يجدون أن من مصلحتهم دعم مصر في مواجهة الحصار الاقتصادى الذى فرضته عليها أمريكا والدول الأوربية.. فقد كان حكم الإخوان خطرا على كل الدول العربية وليس مصر وحدها ولذلك كانوا يحمون بمساعدتهم هذه أنفسهم مع حماية مصر.
الودائع والاستثمارات
ثالثا لقد سبق وزير المالية السعودي في حديثه عن نهج جديد لتقديم السعودية مساعداتها المالية للجيران تمهيدا من إعلامية واضحة كان أبرزها مقال عماد الدين أديب عن الأزمة الاقتصادية في مصر وضرورة اتخاذ إجرءات إصلاح اقتصادى لآنه لا يمكن الإعتماد على مساعدات الأشقاء لتجاوزها، وهو المقال الذى أثار القيل والقال وقتها داخل وخارج البلاد، وفسره البعض في حينه بأنه بمثابة تنبيه سعودى غير مباشر..
وقد جاءت تصريحات وزير المالية السعودي في دافوس لتؤكد هذا التفسير.. وهذا يجعلنا نتأكد أنه يتعين فهم كل ما يقال لنا أو حولنا لأنه عادة لا شىء يقال عفوا أو مصادفة وإنما يتضمن رسالة ما تتجاوز صاحب القول ذاته.. وهذه هى لعبة السياسة وإدارة العلاقات بين الدول وبعضها البعض عادة.
رابعا إن الرئيس السيسي نبه مبكرا جدا إلى ضرورة الاعتماد على النفس في إصلاح اقتصادنا ومواجهة أزماته، وحدث ذلك أكثر من مرة وقبل اندلاع جائحة كورونا وتداعياتها على الاقتصاد العالمى ونشوب حرب أوكرانيا وما ألحقته من أذى على الاقتصاد العالمى..
وحتى النهج الجديد لتقديم السعودية العون المالى لجيرانها الذى تحدث عنه وزير المالية السعودي في دافوس أشار إليه قبل أسابيع الرئيس السيسي أيضا في كلمته أمام المؤتمر الاقتصادى حينما تحدث عن مساعدات الأشقاء لنا..
وبهذا المعنى فإن ما قاله وزير المالية السعودي ليس خبرا جديدا لنا، ولعل هذا ما دفعنا لأن نطلب منهم استبدال ودائعهم التى قدموها للبنك المركزى المصرى، ويحصلون على فوائد منه إلى استثمارات يستفيدون منها كما نستفيد أيضا.
خامسا أن الاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولى لا يقتصر فقط على حصولنا على قرض صغير منه بالمقارنة لقرضه الذى قدمه لنا ضمن اتفاق سابق معه، وإنما هو يقتضى دعم ومساندة صندوق النقد لنا للحصول على تمويل يبلغ نحو14 مليار دولار من منظمات وهيئات وحكومات ودوّل، من بينها دول الخليج التى التزمت بتقديم 2,5 مليار دولار قيمة استحواذ أصول مصرية مع تمديد ودائعها في البنك المركزى المصرى..
أى إن ما قدمته دول الخليج لمصر (السعودية والإمارات وقطر والكويت) مرتبط ببرنامج تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولى.. ولذا لزم التنويه!