نحن قادرون بشرط !
علينا أن نؤمن أننا قادرون على تجاوز هذه الأزمة الاقتصادية المزدوجة التى تجمع بين ارتفاع التضخم ونقص مواردنا من النقد الأجنبي، كما تجاوزنا قبلها أزمات اقتصادية عديدة سابقة.. ونحن بالفعل قادرون على تجاوز هذه الأزمة الاقتصادية الجديدة لإنها رغم حدتها وشدة الغلاء الذى اصابتنا به ليست عصية على الحل، ولآن أمراض اقتصادنا تشخيصها معروف وعلاجها مضمون وناجح.
ولنتبين أن تلك الأزمة ليست عصية على الحل يمكننا أن نراجع مواردنا من النقد الأجنبي التى رغم أزمة الاقتصاد العالمى استطعنا أن نجمعها العام الماضى.. فنحن جمعنا قرابة المائة مليار دولار، حصيلة الصادرات وتحويلات العاملين بالخارج ورسوم العبور في قناة السويس وإيرادات السياحة وبعض الاستثمارات المباشرة..
وكل هذه المصادر مرشحة للزيادة هذا العام طبقا لتقديرات الحكومة ومؤسسات دولية مختلفة في ظل الزيادات المتوقعة في ايرادات قناة السويس لتصل إلى أكثر من ثمانية ونصف مليار دولار، وايرادات السياحة بعد الزيادة في اعداد السائحين الذين بدأوا في التدفق علينا والتى فاقت العام الماضي، بالاضافة إلى زيادة تحويلات العاملين بالخارج بعد إستقرار سعر صرف الجنيه خلال الفترة المقبلة والذى يستهدفه البنك المركزى..
سد الفجوة التمويلية
وفى المقابل فان التزاماتنا من النقد الأجنبي انخفضت عن العام الماضى الذى اضطررنا فيه أن ندبر نحو 20 مليار دولار لاصحاب الأموال الساخنة التى هجرت اسواقنا، مع تدبير نحو20 مليار دولار أخرى لسداد أعباء الديون الخارجيةَ المستحقة علينا من أقساط وفوائد، وكلا المبلغين يساويان قرابة حصيلة الصادرات.. فضلا عن أن أعباء الديون الخارجية هذا العام أقل قليلا من العام الماضى وسوف تقل أكثر فى العام المقبل 2024.
كما إننا في مقدورنا أيضا تخفيض وارداتنا من الخارج عن رقم 75 مليار دولار المسجل العام الماضى إذا قمنا بترشيد وارداتنا من الخارج لتقتصر على ما هو ضرورى فقط مثل الغذاء والدواء ومستلزمات الانتاج، حتى تأتى اجرءات التقشف التى أعلنتها الحكومة أكلها، والتى يعتبر أهمها تأجيل تنفيذ المشروعات الجديدة التى بها مكون أجنبي.
خلاصة الأمر إننا نستطيع أن نغطى الفجوة التمويلية التى عانينا منا سنوات طويلة، وبدون الاعتماد على الأموال الساخنة، وهى الأموال التى اكتشفنا أخيرا أضرار الاعتماد عليها في سد الفجوة التمويلية.
تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية
أما بالنسبة للتضخم العالمى الذى صنعته الجائحةَ بسبب الاضطراب الذى أصاب سلاسل الإنتاج بعد إنتهاج سياسات الإغلاق الاقتصادى والجغرافي بسبب الجائحة، وجاءت الحرب الاوكرانية لتلهبه كثيرا بعد ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة فإن متابعة تطورات الاقتصاد العالمى تبين أن هذا التضخم لن يكون أكثر حدة على الاقل منه العام الماضى، إن لم يكن أقل حدةْ بعد بعض الانخفاض الذى شهدته أسعار النفط والحبوب مع نهاية العام السابق..
وهذا أمر يساعدنا في محاولاتنا إحتواء هذا التضخم المستورد من الخارج إذا سعينا بقوة على احتواء التضخم المصنوع في الداخل، من خلال أولا مواجهة السوق السوداء للعملة التى تنتعش فيها المضاربات على الجنيه للهبوط بقيمته، ومن خلال ثانيا المواجهة الحازمة للاحتكارات التى تسيطر على اسواقنا وتتحمل مسئوليةَ إرتفاع الأسعار
وهكذا..
نحن نقدر على تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية ثم التخلص منها.. والاقتناع بذلك يجعلنا نتقبل ونتفهم أن ترتفع أصوات هنا وهناك بالشكوى من وطأة الغلاء وشدته لآن من يعانى ألما وموجعا لا يمكن مصادرة حقه في الشكوى، بل وحتى التبرم، ونتقبل أيضا أن ترتفع أصوات بالنقد لنهج إدارة أمور اقتصادنا من أجل تجاوز الأزمة وطرح الأفكار المختلفة للاسراع بذلك، حتى وإن إتسم النقد بحدة أو كانت الاقتراحات غير عملية بل وأحيانا صادمة..
أما الأهم من ذلك كله فهو إلتزام من يديرون اقتصادنا ويتصدون لتلك الأزمة باقصى قدر من الشفافية والافصاح. مع المواطنين حول الأزمة وتطوراتها وطريقة مواجهتها والتخلص منها، وتوفير كل المعلومات المتعلقة بذلك لهم لحمايتهم من الذين يحاولون استثمار هذه الأزمة سياسيا لاستعادة حكم البلاد الذى طردوا منه شعبيا بعد عام واحد افتضحت فيه فاشيتهم.