لو كان أبوك الزعيم
قصة قصيرة كتبتها منذ سنوات وأعيد نشرها في الاحتفال بعيد ميلاد الرئيس جمال عبد الناصر الذى نحتفل به هذا الأسبوع.. القصة عنوانها "لو كان أبوك الزعيم":
لو كان أبوك جمال عبد الناصر اسبق القطر ده! أقولها إلى أحد أصحابى، فيجرى وراء القطار ويبكى صاحبى بعد أن يهزمه القطار، فأرد عليه بثقة مبالغ فيها: القطار مالوش ذنب إنت اللى أبوك مش جمال عبد الناصر!
***
فرع النيل عندنا نسميه البحر.. أجلس على شاطئ البحر في بلدنا تحت الجميزة القبلية وحولى بعض العيال ثم أقطع الكلام بتحد مبالغ فيه وسؤال مباغت: مين فيكم أبوه زى جمال عبد الناصر؟ يرد الكل في نفس واحد.. أنا، فأرد:اللى أبوه زى جمال عبدالناصر يعدى البحر قبل ما أفتح عيني.
ينط الجميع بجلابيبهم في البحر في لحظة واحدة ويبدؤون التضبيش، يصرخ عمى الحاج محمد في الرجالة اللى حواليه: الحقوا العيال ح يغرقوا، يشخط الرجالة فى نفس واحد فى العيال: اخرجوا لحسن الفلكة ح تتغذى بيكم النهاردة.
ويتمتم عمى الحاج محمد بحنية مفاجئة لى: البحر غويط وزايد اليومين دول والعيال مبتعرفش تعوم. يخرج الجميع إلا الواد صبحى الذى يحاول الابتعاد عن الشاطئ إلى منتصف البحر، فيشخط فيه عمى الحاج: اخرج وإلا ح أنزل اغرقك عندك وادفس رأسك في الطين.
يعود صبحى إلى الشاطئ ويخرج منكسرا ومدلدلا رأسه إلى الأرض وهدومه مبلولة تتساقط منها المياه وحبات الطين.. أضحك وأقول للعيال: خفتم من عمى الحاج ولا معرفتوش تعدوا البحر، أصل مفيش حد فيكم أبوه جمال عبد الناصر!
***
وفى اليوم التالى تجمع العيال عند الجميزة البحرية أمام الجامع وعندما جئت من الدار وجدتهم يتهامسون وعندما رأونى قالوا في نفس واحد: لو أبوك جمال عبد الناصر اسبق الطيارة.. قلت بثقة شديدة: وإيه يعنى طيارة.. أنا أسبق 100 طيارة، بس لما تيجى! ردوا في نفس واحد: لما نشوف.
وبعد عدة أيام ونحن نجلس أمام دكان الحاجة فكيهة البقالة ظهرت طائرة من أول البلد فصرخ الجميع فى وجهى بتحد: استعد يا عم وورينا بقى.. انتطرت حتى اقتربت منا الطائرة أخذت ذيلى في أسنانى وبدأت الجرى.. أجرى ولا أنظر خلفى.. لكن أصواتهم تطاردنى وتلاحقنى.. أوعى تسبقك الطيارة.. ومع أصواتهم اختلطت ضحكات بعض النسوة وإحداهن تقول: شوفى الواد المجنون قال بيسابق الطيارة!
أجرى وأجرى وفجأة عاندنى الطيار ابن الإيه وترك الجسر واتجه للغيطان ونزلت وراءه لأخترق غيط البرسيم لكن ابن الإيه الطيار زود السرعة حبتين، وأنا أزيد من سرعتى، لكن ابن العفريته شعر إنى حَ أسبقه فبدأ يتجه لعبور البحر وأنا وراءه وأغمضت عينى وقلت في سرى:مش حَ اخليك تسبقنى وهنزل وراك.
وفجأة تعثرت فى حجر كبير على حافة البحر ووقعت على الأرض الممتلئة بالحصى والدبش ليمتلأ الجسد بالجروح والخدوش ويزداد الأمر سوء بعد ان انهار جسدى غصب عنى في بعض زراعات البوص ليسكن الشوك والبوص المدبب فى جسدى بعد اختراق ملابسى، ولولا ستر ربنا لدخل البوص فى عينى.
جلست أبكى بحرقة، ليس من وجع الجروح لكن من وجع وشماتة أصحابي الذين تجمعوا حولى وهم يضحكون: هيه.. هيه.. أبوك مش جمال عبد الناصر زينا.. صرخت فيهم بصوت ممزوج بالدموع والوجع: واالله البوص هو اللى منعنى من إنى أسبق الطيارة.
يرد أحدهم: عبد الناصر مش بيهمه البوص والشوك ويقدر يسبق أى طيارة! كان وجع الجروح قد بدأ يزداد للدرجة التى جعلتنى أصرخ بصوت عالى، وزاد الطين بله رعبى من أمى حين تخيلت إنى أدخل عليها وهدومى مقطعة!
أخذنى العيال إلى الدار، وكان ما كان.
***
المهم بعدما التئمت الخدوش وذات عصرية تحت الجميزة البحرية جلسنا نضحك والقمر يفرش الأرض والنجوم تتلألأ حوله فى السماء، وفوجئ الجميع بسؤالى: حد يعرف جمال عبد الناصر شكله إيه؟ يرد الواد محمود بسرعة وبدون تفكير: تلاقيه طويل قوى، يلتفت عبد الرحمن إلى خلفه قائلا: تلاقيه أطول من عمود التليفونات اللى هناك عند دوار العمدة، وأتدخل أنا كالعالم ببواطن الأمور: ده طويل قوى وجسمه كبير قوى ويقدر يغلب أى حد.
***
وتمر الشهور وينتقل أبى للعمل بالقاهرة أو مصر كما نسميها، وفي أحد الأيام يمتلأ البيت والشارع بالصراخ، يخرج أبى حافيا وأمى من غير طرحة بجلبية البيت إلى الشارع لنجد أفواجا من البشر تجرى في كل اتجاه.. ويسأل أبى أحد المارة: في إيه وحياة أبوك؟
يرد بصوت مبحوح غارق فى الدموع: عبد الناصر مات، يصرخ أبى ويجلس على الرصيف وبجواره تقعد أمى وأنا واقف أصرخ في الناس: عبد الناصر مش زينا علشان يموت، عبد الناصر مش ممكن يموت، يحضنى أبى ويدفنى في صدره ويبكى بشكل هستيرى.. كان يبكى لأول وآخر مرة في عمره.
yousrielsaid@yahoo.com