جاء المسيح، معلمًا بالمحبة بين الناس
نحتفل بعيد ميلاد السيد المسيح له المجد. ولذا أتقدم إليكم جميعًا، بخالص التهانى القلبية، بعيد الميلاد المجيد، طالبًا فيه من الله، البركة والخير، والسلام والتقدم، لبلادنا العزيزة مصر، قيادةً وشعبًا، ولكنيستنا المقدسة، ولكم جميعًا، وللعالم أجمع. أما عن موضوعنا في هذا العيد، فهو: جاء المسيح، معلمًا بالمحبة بين الناس، وواهبًا لهم عطاياها.
تعاليم السيد المسيح عن المحبة
أوصى السيد المسيح تلاميذه، بأن يحبوا بعضهم بعضًا، قائلًا لهم: (وصيةً جديدةً أنا أعطيكم، أن تحبوا بعضكم بعضًا، كما أحببتكم أنا، تحبون أنتم أيضًا بعضكم بعضًا. بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذى، إن كان لكم حبٌ بعضٌ لبعضٍ) ( يو 13: 34، 35 ).
ومن أهمية المحبة، في حياة الآباء الرسل، على حياتهم الروحية الخاصة مع ربنا، وعلى كرازتهم بالإيمان للناس، كرر وصيته لهم قائلًا: (هذه هي وصيتى، أن تحبوا بعضكم بعضًا، كما أحببتكم) (يو 15: 12). وكون السيد المسيح، يؤكد مرة ثانية للآباء الرسل، على وصية محبتهم لبعض، هذا يبرهن على أهمية هذه الوصية الإلهية، على حياتهم الروحية، بصفة خاصة، وعلى الكرازة والرعاية والخدمة للناس، بصفة عامة.
ولم يكتفِ السيد المسيح بهذا، بل قَدَّم جانبًا آخر، وأساسيًا في المحبة، وهو المحبة لله بصفة خاصة أولًا، والمحبة للناس بصفة عامة ثانيًا. فما ذُكِر يؤكد لنا على أن المحبة، يجب أن تكون أولًا لله، من كل القلب، والنفس، والفكر. وثانيًا محبة الناس، كمحبة الإنسان لنفسه.
ولا يفوتنا أن نشير بأن السيد المسيح، أضاف مفهومًا آخر جديدًا لمفاهيم المحبة، وهو مفهوم محبة الأعداء، إلى جوار محبة الأحباء.لأن السيد المسيح، يعلم جيد العلم أن هناك أسبابًا، قد تتسبب في أن يكون البعض من الناس أحباء وقريبين من الإنسان، والبعض الآخر، مختلفين وأعداء له.
ولذا أوصى قائلًا: (أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم. لكى تكونوا أبناء أبيكم الذى في السموات، فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين) ( مت 5: 44، 45)، ( لو 6: 27، 28 ).
ومن جانب آخر، قَدَّم المسيح في تعليمه مثالًا حيًا، عن الله، في محبته للأشرار والصالحين، والأبرار والظالمين، قائلًا: (إنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين). وهذا يعد درسًا عمليًا، يقدمه الله لنا، لكى نتعلم منه.
ولذا يجب أن نتعلم، محبة وقبول المختلفين معنا، في الرأي والإيمان والعقيدة، أو المختلفين معنا لأجل أسباب أخرى، لأننا في أمور كثيرة قد نختلف مع الله، بسبب خطايانا وشرورنا الكثيرة، ولكن من محبة الله، وطول أناته، يصبر علينا، ويعطينا الفرص المتكررة، وذلك حرصًا لعودتنا إلى صوابنا، وحياتنا الروحية معه، وخلاص أنفسنا وأبديتنا.
ومن يتابع تعليم الكتاب المقدس بعهديه، يجدها كلها تحث على المحبة، وما يترتب عليها من بناء روحى.. لذا نهانا الرب في سفر الأمثال، بالبعد عن البغضة، والتمسك بالمحبة، وكما رأينا في تعاليم السيد المسيح، التعاليم الخاصة بالمحبة، رأينا هكذا في تعاليم آبائنا الرسل الأطهار.
ولم يكتفِ السيد المسيح، بأن يُعلَّم بين الناس بالمحبة، بل قدم نفسه مثالًا، في تقديم المحبة للآخرين حيث سعى إلى رد الخطاة إلى البر، والدفاع عنهم أمام الناس، الذين طالبوا بإدانتهم.كما إنه غفر للمسيئين إليه شخصيًا، والذين اتهموه، بأنه ناقض يوم السبت، وبرئيس الشياطين يخرج الشياطين، ولم يكن إطلاقًا هو هكذا.
أَمرنا وعَلَّمنا السيد المسيح أن نحب الناس، وذلك طبقًا لوصاياه، وتمثلًا به، ولذا قال القديس بطرس في هذا الصدد عنه: (تاركًا لنا مثالًا، لكى نتبع خطواته) (1بط 2: 21). من السهل جدًا يا إخوتى، أن يتكلم الإنسان عن المحبة، لكنه فعليًا وواقعيًا، هو بعيد كل البعد عنها، وعن تطبيقها. ولذا أوصانا القديس يوحنا الرسول، في رسالته الأولى قائلًا: (يا أولادى لا نحب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق) (1 يو 3: 18).
يجب علينا، أن نراعى كل ما يساعدنا، على محبة الله ومحبة الناس:بالأساليب والطرق العملية، التي رسمها الله وأنبياؤه ورسله، في الكتاب المقدس، ونبتعد عن الخطية والآثام، لأن السيد المسيح سبق وقال، أنه بسبب: (كثرة الإثم، تبرد محبة الكثيرين) ( متى 24: 12 ).
ولا يفوتنا أن نشير بأن المحبة، لها بركات كثيرة، على من يقدمها، ومن يستقبلها أيضًا:لأن المحبة درع روحى، مثل درع الإيمان، يجب أن نلبسها ونتسلح بها، لكى ننتصر على حيل إبليس والخطية، ولذا قال الرسول بولس، في هذا الصدد: ( فلنصحَ لابسين، درع الإيمان والمحبة، وخوذةً هي رجاء الخلاص) ( 1 تس 5: 8).
ومن أهم عطايا المحبة للإنسان، بأنها تعطيه رباط الكمال، وتساعده على الكمال المسيحى المطالب به من الله. وهذا يتضح لنا، مما قيل في الرسالة: (وعلى جميع هذه، البسوا المحبة، التي هي رباط الكمال) ( كو 3: 14). ولنتشجع يا إخوتى، على محبة الله والناس، كما أوصانا الكتاب، لأن الله:(حافظ العهد والرحمة، لمحبيه، وحافظى وصاياه) ( دا 9: 4).
ومكافأةً من الله، لكل مَن يقدم المحبة العملية، يعطيه الرب ميراثًا في ملكوت السماوات، كما أشار الرسول في رسالته الأولى، لأهل كورنثوس: (ما لم ترعينٌ، ولم تسمع أذنٌ، ولم يخطر على بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه) ( 1 كو 2: 9 ).
ولم يكتفِ الرب، بأن يعطى المحبين ميراثًا في ملكوت السماوات فقط، بل أيضًا يعطيهم: (أكاليل الحياة، التي وعد بها الرب، للذين يحبونه) ( يع 1: 12).
نطلب من الله في هذا العام، بأن يكون عامًا مباركًا، مليئًا بالخير والسلام والتقدم، على مصرنا الحبيبة، قيادةً وشعبًا، وعلى كنيستنا المقدسة، وعليكم جميعًا، وعلى العالم أجمع.
وكل عام وأنتم جميعًا بخير.. ولإلهنا المجد الدائم.