الجنيه العادل.. والجنيه الظالم!
كنت وما زلت غير مقتنع بما يسمى السعر العادل للعملة، والذى اُستخدم حجة أساسية لتخفيض سعر عملات عديدة من بينها الجنيه المصرى! أنا مقتنع فقط بعد دراستى لمبادئ علم الاقتصاد وأساسياته أن هناك سعرا مناسبا وسعرا غير مناسب للعملات.. ومناسب هنا نسبية وتحدد حسب مصلحة كل دولة صاحبة عملة من العملات، ولا أرى أن هناك سعرا عادلا وآخر ظالما للعملات المختلفة!
أعرف أن هناك طرقا لقياس ما هو هذا السعر العادل للعملات تلجأ إليها منظمات ومؤسسات مالية واقتصادية دولية، لكن هذه الطرق لو طبقت على الولايات المتحدة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم كله سوف تسفر عن سعر الدولار الأمريكى غير عادل بالمرة.. فأمريكا أكبر مدين في العالم وبالتالى صاحبة عجز نقدى ضخم كبير لكنها تملك أن تطبع ما تشاء من الدولارات لتوفر لنفسها ما تشاء من موارد..
السعر العادل للعملة
كما أنها تلجأ إلى كل السبل لرفع الآن سعر وقيمة الدولار الأمريكى.. وبالتالى هى نفسها أول من يضرب عرض الحائط بحكاية السعر العادل للعملة ولا تجد من يقول لها ماذا تفعلين على غرار ما تفعله الآن في سوق الطاقة، حيث تبيع لحلفائها الأوربيين الطاقة بسعر مغالٍ فيه! ومن قبل جدواها تُمارس ضغوطا سافرة على الصين لترفع سعر عملتها حتى تخفض صادراتها للسوق الأمريكى وتكبح بالتالى ارتفاع معدل نموها الاقتصادى الذى تجاوز في وقت من الأوقات نسبة ١٠ في المائة حتى لا تنافسها اقتصاديا.
لذلك ليس مستساغا أو مقبولا أو مفهوما أن تنصب بعض الدول والمنظمات الاقتصادية نفسها وصيا اقتصاديا على الدول النامية أو التى توصف صاحبة اقتصاديات ناشئة وتحدد لها قيمة وسعر عملتها تجاه العملات التى تستخدم عملات احتياط عالمية أساسية الآن، فإذا كانت الدول الكبرى لا تفعل شيئا إلا ما يحقق مصالحها، فبالتالى علينا تحديد قيمة الجنيه بما يحقق مصالحنا نحن..
أما السعى للوصول إلى ما يسمى السعر العادل للجنيه بالاستمرار في تخفيضه فهو لن يجلب لنا إلا زيادة متاعبنا الاقتصادية، إنه بذلك سعر ظالم للجنيه.. وفى مقدورنا المحافظة على سعر مناسب للجنيه بتخفيض وارداتنا من الخارج سواء على المدى القريب بالاستغناء عن بعض ما نستورده، أو على المدى الطويل بتوطين صناعات عديدة لدينا مما يجعل مواردنا من النقد الأجنبي تفوق إنفاقنا منها.