2022 عام نهاية الإرهاب.. توقف عمليات القاعدة بعد مقتل الظواهري، سقوط الجماعات المسلحة في المنطقة العربية.. النهضة وداعش والنصرة تتداعى
شهد عام 2022، انهيارًا واضحًا للعديد من التنظيمات الإرهابية في المنطقة العربية؛ على إثر تعرضها لضربات موجعة من الأنظمة الحاكمة.
تنظيم داعش، من أخطر التنظيمات التي تأثرت بالهجمات التي شنها عليه الجيش العراقي، بدعم دولي، وهو مجموعة جهادية سنية تتبنى أيديولوجية عنيفة، انبثق من تنظيم القاعدة في العراق، الذي أسسه أبو مصعب الزرقاوي في عام 2004 للمشاركة في المقاومة ضد القوات الأمريكية، وتوسع نفوذه في كل العراق وسوريا، قبل أن ينتشر في عدة دول إسلامية أخرى، مثل اليمن وليبيا وفي شبه جزيرة سيناء بمصر، غير أنه خسر لاحقا الغالبية الساحقة من المناطق التي سيطر عليها.
ونجح التحالف الدولي ضد تنظيم داعش منذ عام 2014 في انتزاع جميع الأراضي التي كان التنظيم الإرهابي يسيطر عليها في العراق وسوريا.
ونجح التحالف الدولي ضد تنظيم داعش منذ عام 2014 في انتزاع جميع الأراضي التي كان التنظيم يسيطر عليها في العراق وسوريا.
انتشار داعش في سوريا
وازدهر في العراق اعتبارًا من عام 2006، ثم في سورية بفعل حالة الفوضى الناجمة عن القمع الذي لم ينفك النظام السوري يمارسه منذ عام 2011. ثم سعى التنظيم إلى نشر نظام الرعب الذي يتّبعه خارج المشرق العربي وصولًا إلى ليبيا ومصر وأفغانستان وجنوب شرق آسيا.
ويتّبع أفراد تنظيم داعش ممارسات وحشية منحرفة عن الدين الذي يجاهرون به كالإعدام بقطع الرؤوس والاسترقاق والقتل الجماعي.
إضافةً إلى ذلك، خطط التنظيم عدّة اعتداءات إجرامية ونفّذها في الخارج، كالاعتداءات التي وقعت في باريس في نوفمبر 2015 وفي بروكسل في مارس 2016 وفي لندن في مارس 2017.
وتعمّد تنظيم داعش تدمير التراث العالمي للبشرية، كما يتضح من ممارساته الإجرامية في مدن تدمر ونمرود والحضر التاريخية، ومن تدمير متحف الموصل.
ويقدم التحالف الدولي منذ سبتمبر 2014 دعمًا عسكريًا حاسمًا للقوات المحلية الناشطة ميدانيًا من أجل دحر تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا.
ومكّن هذا الدعم القوات العراقية من إعلان تحرير كامل أراضيها في ديسمبر 2017، في حين أتاحت العمليات في سورية الانتهاء من تحرير المناطق التي كان يحتلها تنظيم داعش في شمال شرق سورية في مارس من العام الجاري.
يمثّل قطع موارد تمويل تنظيم داعش أولوية من أولويات فرنسا وشركائها الدوليين.
ونظّمت فرنسا في باريس الدورة الأولى لمؤتمر "لا لتمويل الإرهاب" في أبريل 2018، وضمّ المؤتمر 70 دولة و20 منظمة دولية.
وفي هذا الإطار، قطعت الدول التزامات من أجل مكافحة التستر على قنوات التمويل وتجنّب مخاطر إساءة استعمال منتجات وخدمات مالية جديدة على وجه الخصوص.
مقتل الظواهري
قتل زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار، بينما كان على شرفة منزل في الحي الدبلوماسي بالعاصمة الأفغانية كابل.
وكتبت هذه الضربة سطر النهاية لبحث استمر لعقود عن الظواهري، الشخصية المخضرمة في "القاعدة".
ويأتي الصمت شبه التام من جانب "القاعدة" منذ مقتل الظواهري بمثابة دليل واضح على الأزمة التي سببها موته داخل صفوف القيادة العليا للتنظيم.
جدير بالذكر هنا أنه يلي الظواهري في ترتيب الخلافة سيف العدل، العضو المخضرم في قيادة «القاعدة» والقائد السابق للقوات الخاصة المصرية.
ومع ذلك، لا يزال سيف العدل شخصية مثيرة للجدل داخل شبكة المنتسبين لـ«القاعدة»، ويتهمه البعض بإثارة الانقسامات وبأنه مصاب بالبارانويا ويفتقر إلى البصيرة الاستراتيجية والتوازن.
إلى ذلك، ثمة مزاعم بأنه مفقود منذ أكثر من عام، ويخشى أن تكون السلطات الإيرانية قد اعتقلته.
وهناك مرشح محتمل آخر يتمثل في عبد الرحمن المغربي، صهر الظواهري، الذي يتولى إدارة المؤسسة الإعلامية الرئيسية لـ«القاعدة»، «مؤسسة السحاب».
إلا أنه مثلما الحال مع سيف العدل، فإن المغربي مقيم هو الآخر في إيران. وثمة شكوك كبيرة حول قدرته على ممارسة قيادة حقيقية للتنظيم.
حركة النهضة
يعد مثول رئيس حركة النهضة الإخوانية راشد الغنوشي، مشهد النهاية بالنسبة للحركة.
ومؤخرًا، قرر قاضي التحقيق المختص بقضايا الإرهاب في تونس، الإبقاء على رئيس حركة النهضة الإخوانية راشد الغنوشي بحالة سراح على ذمة التحقيقات.
ومثل الغنوشي مجددا للتحقيق في العاصمة تونس، بقضية تتعلق بتهم تسفير المتشددين من تونس من أجل القتال في بؤر التوتر بسوريا والعراق وليبيا، حسبما أفاد محاميه.
ودامت جلسة الغنوشي حوالي 12 ساعة، من استجواب وسماع مرافعات المحامين، وطالب ممثل النيابة العامة إيداعه بالسجن إلا أن قاضي التحقيق ارتأى الإبقاء عليه بحالة سراح.
وبدأ التحقيق مع الغنوشي (81 عاما) ونائبه رئيس الحكومة السابق علي العريّض في هذه القضية في 21 سبتمبر الماضي، بالوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب بالعاصمة، وتم استجوابه لساعات قبل أن يقرر القاضي تحديد تاريخ الإثنين لدعوته مجددا.
وشهدت تونس إثر احتجاجات 2011، توجه عدد كبير من الشباب، قدرتهم منظمات دولية بالآلاف، للقتال في بؤر التوتر بسوريا والعراق وليبيا، وسط اتهامات لحركة النهضة بتسهيل سفرهم إلى هذه الدول خلال تواجدها في الحكم.
وكانت السلطات التونسية أعلنت أن قضاء مكافحة الإرهاب أمر بتجميد الأرصدة المالية والحسابات المصرفية لـ10 شخصيات، من بينها الغنوشي ورئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي.
واستُدعي الغنوشي في 19 يوليو الماضي للتحقيق معه في قضية تتعلق بتبييض أموال وفساد، كما أصدر القضاء التونسي في 27 يونيو قرارا بمنع سفره في إطار تحقيق باغتيالات سياسية تمت عام 2013.
ومن مظاهر انهيار حركة النهضة، استقالة أكثر من 100 قيادي بارز في حزب النهضة الإسلامي التونسي، بينهم نواب ووزراء سابقون، احتجاجًا على أداء القيادة وما وصفوه بـ "الإخفاق في معركة الإصلاح الداخلي للحزب"، في أكبر ضربة للحزب الذي يواجه انقسامًا حادًا.
ومن بين المستقيلين قيادات من الصف الأول بالحزب وثمانية نواب، فضلا عن عدد من الوزراء السابقين؛ من بينهم وزير الصحة السابق عبد اللطيف المكي، وعدد من أعضاء البرلمان المعلقة أعماله، وعدد من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، وعدد من أعضاء مجلس الشورى الوطني ومجالس الشورى الجهوية والمكاتب الجهوية والمحلية.
وحمل القياديون المستقيلون رئيس حزب النهضة ورئيس البرلمان المُجمّد راشد الغنوشي مسؤولية الأزمة، منددين بـ "الإدارة الفاشلة لرئيسه الذي رفض كل النصائح بعدم الترشح لرئاسته تفاديا لتغذية الاحتقان والاصطفاف والتعطيل".
جبهة النصرة
جبهة النصرة لأهل الشام هي منظمة سلفية جهادية تم تشكيلها أواخر سنة 2011 خلال أحداث سوريا.
وتبنت المنظمة عدة هجمات انتحارية في حلب ودمشق، لا يعرف بالضبط ما أصل هذه المنظمة غير أن تقارير استخبارية أمريكية ربطتها بتنظيم القاعدة في العراق.
ودعت الجبهة في بيانها الأول الذي أصدرته في 24 يناير 2012 السوريين للجهاد وحمل السلاح في وجه النظام السوري.
وتعد جبهة النصرة لأهل الشام من الجماعات السلفية الجهادية التي تأسست أواخر عام 2011 بعد قيام الثورة السورية.
وحسب البيان الأول للجبهة، والذي أصدرته في 24 يناير 2012، تدعو الجبهة السوريين للجاد وحمل السلاح في وجه النظام السوري برئاسة بشار الأسد.
وجاء البيان على لسان زعيم الحركة أبو محمد الجولاني، معلنًا فيه تشكيل الجبهة من مجاهدي الشام.
وحدد البيان الهدف من إنشاء الجبهة بالقول إنها جاءت سعيا من مؤسسيها "لإعادة سلطانِ اللهِ إلى أرضِه وأن نثأر للعرضِ المُنتَهَك والدمِ النازِف ونردَّ البسمَةَ للأطفالِ الرُضَّع والنِساءِ الرُّمل".
واستهجن البيان دعوة البعض للاستعانة بقوى غربية للخلاص من نظام حزب البعث الحاكم، واصفا إياها بأنها "دعوة شاذة ضالة وجريمة كُبرى ومُصيبة عُظمى لا يغفِرُها الله ولن يرحم أصحابَها التاريخُ أبدَ الدهر". وحمل البيان بشدة على الدولة التركية، وعلى مشروع الجامعة العربية الذي حكم عليه بالفشل قبل البدء به.
القيادة
أبو محمد الجولاني هو قائد جبهة النصرة لأهل الشام وأبرز كوادر القاعدة في سوريا.
وشارك في القتال ضد القوات الأمريكية، تركز نشاطه على تهريب المقاتلين من كل الجنسيات إلى العراق عبر سوريا، اسمه الحقيقي مجهول تمامًا، ولم ير أحد وجهه أبدًا. حتى في اجتماعه مع مجلس شورى الجبهة الإسلامية حَضَر ملثمًا، وتولى أمراء النصرة تأكيد شخصيته للحضور.
وعاش الجولاني تجربة القاعدة في العراق، والتحول الذي جرى منذ 2006 بعد مقتل أبو مصعب الزرقاوي بإعلان دولة العراق الإسلامية، وما تبع ذلك من تطبيق الدولة لحكمها ولو على أصغر قرية تسيطر عليها، والتوسع في التكفير والقتل لكل من يعمل في الحكومة بأي شكل، مما أدى في النهاية لقتال داخلي خاضته حركات المقاومة السنية مثل جيش الراشدين، وكتائب ثورة العشرين، والجيش الإسلامي في العراق، وحماس العراق ضد القاعدة حتى 2008 التي شهدت تجربة صناعة الصحوات، حيث مولت أمريكا والحكومة العراقية مليشيات عشائرية، ومدتها بالسلاح لتقاتل القاعدة في مناطقها، وهو ما أدى لانحسارها إلى حد بعيد.
وفي 2008 تمكن النظام السوري من اعتقال الجولاني في معتقل صيدنايا الشهير، ثم صدر قرار مفاجئ بالإفراج عنه بعد الثورة في 2011، مع عدد كبير من المعتقلين الجهاديين، وفورًا ذهب إلى العراق ليستعين بالأمير أبو بكر البغدادي، الذي قرر "مناصفة بيت المال"، فمنحه الرجال والتمويل والسلاح، ليبدأ فرعًا لتنظيم القاعدة بسوريا، وأطلق عليه اسمه جبهة النصرة، في إشارة لترحيبه باستقبال المقاتلين الأجانب من مختلف الجنسيات، عرب وشيشانيون وأفغان وأوزبك وحتى أوروبيون، ويُطلق عليهم اسم المهاجرون، بينما السوريون هم الأنصار.
وفي 9 أبريل 2013 أعلن أبو بكر البغدادي، أمير دولة العراق الإسلامية، توسيع دولته لتضم داخلها جبهة النصرة، ويصبح المسمى المشترك هو الدولة الإسلامية في العراق والشام. هنا يسمع العالم للمرة الأولى باسم داعش.
واحتوى البيان على استهانة متعمدة بالجولاني "ما الجولاني إلا جندٌ من جنودنا انتدبناه إلى الشام وأرسلنا معه الرجال".
وفي اليوم التالي 10 أبريل، أصدر الجولاني بيانًا يرد على البغدادي بمزايدة واضحة، حيث قال إنه استجاب لدعوة البغدادي بالارتقاء "من الأدنى إلى الأعلى"، لذلك فهو يبايع الظواهري مباشرة.
وكان من اللافت في حديث الجولاني أنه قال إنه استخلص من أحداث العراق "العِبَر التي أفادت الجهاد في الشام"، وأن حركته قامت لتحكيم شرع الله، لكنه لم يرغب في الاستعجال بالإعلان "للمصلحة".
وأصدر الظواهري في يونيو 2013 قراره بفض الشراكة بين التنظيمين، ومنح البغدادي إمارة التنظيم في العراق، والجولاني إمارته في سوريا، وسمى أبو خالد السوري - قيادي معروف بالقاعدة - حكمًا بين الطرفين في حال الخلاف.
لكن البغدادي في أول انشقاق تاريخي داخل القاعدة فجر مفاجأة برفضه أمر الظواهري، واعتبر أن قراره "عليه مؤاخذات شرعية".
وانقسمت الأسماء الشهيرة من منظري التيار الجهادي بين الفريقين. كان من اللافت أن الأسماء القديمة، التي جرب أصحابها الهزيمة في الجزائر وأفغانستان والسودان، فضلوا جانب النُصرة والظواهري، مثل أبو قتادة الفلسطيني وأبو محمد المقدسي، بينما فضلت الأسماء الحديثة نسبيًا جانب داعش مثل أبو الحسن الأزدي وأبو همام بكر الأسدي، حتى وصل بعضهم للقول بوجوب مبايعة الظواهري نفسه لأمير المؤمنين!".
ودخل الصراع على النفوذ بين الميليشيات الإرهابية في شمال غربي سوريا، وخاصة في ريف حلب الشمالي مرحلة جديدة بسيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) على مدينة عفرين الاستراتيجية شمال غربي حلب قبل أن تنسحب منها بناء على أوامر تركية وأمريكية.
كانت «النصرة» قد استغلت الصراع على النفوذ وتصفية الحساب بين فصيلين صغيرين من فصائل ما يسمى ب«الجيش الوطني السوري» المنتشر في ريف حلب الشمالي، وبين فصائل أخرى تنتمي إلى الفيلق الثالث من نفس الجيش «الجبهة الشامية، وجيش الإسلام، وفصائل أخرى» لتتدخل في الاشتباكات وتدفع قواتها للسيطرة على مدينة عفرين الاستراتيجية، ثم تندفع منها في محاولة للسيطرة على مناطق أخرى، أهمها مدينة اعزاز، قبل أن تفرض القوات التركية وقف إطلاق النار.
ومعروف أن «هيئة تحرير الشام» هي أكبر الفصائل الإرهابية في سوريا، وتسيطر على الجزء الأكبر من محافظة إدلب وعلى معبر باب الهوى الذي تتدفق عبره المساعدات الأممية إلى سوريا، ويبلغ عدد قوات الهيئة نحو 30 ألف مقاتل إرهابي متمرسين بالقتال، وعقائديين، ولديهم تسليح ممتاز وتمويل سخي، كما أن لديها إدارة مدينة منظمة تحمل اسم «حكومة إنقاذ» تدير الجزء الأكبر من محافظة إدلب، وتتطلع الهيئة لبسط نفوذها على ريف حلب الشمالي، المحاذي لكل من محافظة إدلب، والحكومة التركية.
الصراع على النفوذ
وهيئة تحرير الشامل هي نفسها «جبهة النصرة/ فرع القاعدة في سوريا» والمصنفة دوليًا منظمةً إرهابية، لكنها غيرت اسمها بعد أن اتحدت مع بعض المنظمات الإرهابية الصغيرة، مع الاحتفاظ بقيادتها وكل مقوماتها، وتحت زعامة نفس الإرهابي المعروف «أبو محمد الجولاني».
بينما ينتشر في مواجهتها ما يسمى بـ«الجيش الوطني السوري» الذي يشار إليه إعلاميًا باسم «المعارضة السورية المعتدلة» أحيانًا.. وهو يتكون من عشرات الفصائل أغلبها ذات منشأ إرهابي عقائدي تتوزع على ثلاثة فيالق.
وعلى الرغم من أن «الجيش الوطني السوري» يدين بالولاء لتركيا، مثله في ذلك مثل «النصرة» فإن تعدد فصائله وتنافسها على النفوذ والموارد، يضعف قوتها، ويتسبب بعدم الاستقرار الأمني في منطقة انتشاره.
وجدير بالذكر أن جزءًا من قوات هذا الجيش ينتشر في الشريط الحدودي الذي استولت عليه تركيا والممتد بين رأس العين وتل أبيض في «محافظتي الرقة والحسكة» شرقي الفرات، في مواجهة قوات «قسد» ومنطقة السيطرة الكردية.
وبناء على هذه الأوضاع، فإن جبهة النصرة، ترى نفسها أحق بالسيطرة على منطقة ريف حلب الشمالي، المحاذية مباشرة لمنطقة سيطرتها الرئيسية في إدلب.