والله لا يحب المفسدين
لقد كَرّم الله تعالى الإنسان وفضًله على كثيِر ممن خلق تفضيلا، وهيأ له أسباب الحياة على الأرض واستخلفه عزً وجل عليها وكان من حكمة الله تعالى في خلق الإنسان واستخلافه في الأرض هو عٍمارة الأرض وإصلاحها والحفاظ على مظاهر الحياة فيها وإقامة العدل الإلهي عليها ونشر الرحمة الإلهية بين ربُوعها. وقد جعل سبحانه للإنسان منهجًا مستقيمًا قويمًا لاستقامة حركته في الأرض وأمده، عز وجل، بكل أسباب الإعانة على إقامة الخلافة كما أرادها سبحانه وتعالى..
فأنزل كتبا ورسالات سماوية وأرسل الأنبياء والرسل عليهم السلام وختم الكتب والرسالات السماوية بكتاب كريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. كتاب يحمل بين طياته كل المكارم والفضائل والمحاسن وكل ما يسمو بالإنسان ويثري الحياة على الأرض. كتاب أمر فيه سبحانه ونهى، وأحل وحرم، ونبه وحذر، وخوف وبشر، وبين وأوضح، وحد فيه أحكاما وحدودا، وضرب فيه الأمثلة لأحوال الأمم السابقة..
وكيف كانت نهايات من خالفوا منهجه عز وجل الذي أنزله على رسلهم، ومصيرهم، وكيف كان حال من استقام منهم على منهجه القويم وشريعته الغراء. ولم يترك سبحانه وتعالى شيئا فيه صلاح الإنسان وإنماء الحياة وإثرائها إلا بينه ووضحه وأمر به سبحانه.
الفساد في الأرض
وكذلك لم يترك شيئا يضر الإنسان ويفسد الحياة على الأرض إلا بيّنه ووضحه وعرّفه وحذر منه ونهى عنه، ولم يترك، عز وجل، شيئا فيه سعادة الإنسان واستقامة الحياة على الأرض والعكس إلا أنزله في كتابه الكريم.. وصدق تعالى إذ قال: "مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ"..
ثم إنه تعالى إجتبى من بين خلقه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأعده لحمل أمانة الرسالة الخاتمة، وأمانة التبليغ والبيان، وأهّله لتلك الرسالة، فأدبه سبحانه بأدبه، عز وجل، وإلى ذلك أشار النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، بقوله: "أدبني ربي فأحسن تأديبي".. وسَمى به فوق الخُلق العظيم، ويقول تعالى: "وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ".. وجعله موضعا كريما للاقتداء والتأسي، فقال تعالى: "لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا".
ولقد أدى الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم أمانة التبليغ والنصح والبيان على أكمل وأتم وجه، وذلك من خلال أقواله الصادقة وأعماله وأحواله الشريفة، وقد ترجم صلى الله عليه وسلم أخلاق الإسلام ومبادئه وقيمه ومعانيه كما ذكرنا قولا وعملا وفعلا وسلوكا وحالا، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك..
هذا، ولكم حذرنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من الإعوجاج والإفساد في الأرض، وذلك من خلال آيات كثيرة منها قوله تعالى: "والله لا يحب المفسدين".. وقوله سبحانه: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ"..
وقوله تعالى: "إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ ".. هذا ومن المعلوم أنه ليس هناك أخطر على المجتمعات من الفساد ولا أضر من المفسدين وحتى يسلم المجتمع ويتقدم لا بد من الأخذ على أيديهم بكل قوة واستئصالهم وتطهير المجتمع منهم، وتنفيذ حكم الله تعالى فيهم الذي جاء في قوله تعالى: "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ "..