الأمم الناهضة وحسن الخلق وسيادة القانون!
لاشك أن الأمم الناهضة هي التي ترتكز على قاعدة صلبة من حسن الخلق ومن سيادة القانون على رقاب الجميع؛ الأغنياء قبل الفقراء والأقوياء قبل الضعفاء بل لا أكون مبالغًا إذا قلت إن دولة القانون ومجتمع الأخلاق الفاضلة إنما يحمي الفرد الضعيف ويصون حريته وأمنه قبل القوي؛ وإنما جعل القانون ليكون نصير للضعفاء يحميهم من شطط الأقوياء وإلا تحول المجتمع لغابة يأكل القوي فيها الضعيف.
وهذا هو السر الذي من أجله حثت الأديان كلها على التحلي بالأخلاق، كما أن الأخلاق ركن ركين في أدبيات الفلاسفة جميعًا على اختلاف مشاربهم وأيديولوجياتهم.. فكيف يكون التعايش آمنًا بين البشر لولا وجود ضمير حي يتحلى بالرحمة والصدق.. وكيف يكون التعامل بين الناس في العمل لولا وجود فضيلة الإخلاص والأمانة.. وكيف تقوى أي أمة على صنع الحضارة لولا فضائل التآخي والتعاون والمحبة والإيثار.. كيف يكون الإنسان مؤهلًا لارتقاء مراتب الكمال الإنساني إذا كانت أنانيته مسيطرة عليه، صارفة له عن كل عطاء تضحيةً وإيثارًا.
التجارب الإنسانية ووقائع التاريخ تؤكد كلها بوضوح أن ارتقاء القوى المعنوية للأمم والشعوب ملازم لارتقائها في سلم الأخلاق الفاضلة ومتناسب معه.. وفي المقابل فإن انهيار هذه القوى ملازم لانهيار أخلاقها ومتناسب معه.. فبيْن القوى المعنوية والأخلاق علاقة طردية.. كلما زادت الأخيرة قوة ازدادت معها الأولى نشاطًا وتماسكًا وعافية.
مخطيء من يظن أن الناس يدخلون في الدين لأنهم يقتنعون بذلك عقليًا فقط، ذلك أن كثيرًا ممن يدخلون في الدين إنما يفعلون ذلك لأنهم يرون في أخلاق أهل هذا الدين ما يحببهم فيه ويجذبهم إليه.. هكذا تقول أحداث التاريخ؛ فالإسلام مثلا لم ينتشر كما يدعي بعض المغرضين بحد السيف في كل هذه المساحة على وجه البسيط وإنما انتقل إلى البلاد البعيدة كالصين مثلًا عبر التجار الذين امتازوا ب حسن الخلق وكانوا خير دعاة لهذا الدين حتى اعتنقه الملايين.