جامعة الأزهر: تحقيق السلام العالمي ضرورة يوجبها الشرع والعقل
قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، إن مؤتمر كلية الدعوة الإسلامية الدولي الثاني الذي جاء بعنوان " الدعوة الإسلامية والسلام العالمي.. تحديات الواقع وآفاق المستقبل"، يعمل على معالجة هموم الدعوة في ظلال قضية هي أم القضايا، وهي قضية السلام، ويبدأ المؤتمر من أرض الواقع دون أن يعيش في أوهام الخيال ولا في عالم افتراضي لاوجود له، بل ينطلق من " تحديات الواقع " كما جاء في عنوان المؤتمر ؛ لأن من أغمض عينيه عن واقع الحياة والأمة والأمم والعالم، فقد أغمض عينيه عن حياته وقضى على نفسه بنفسه.
وأضاف رئيس جامعة الأزهر أننا أمة تفتخر بأمجاد الماضي وهي تبني مفاخر الحاضر، كما يستشرف هذا المؤتمر في ظلال قضية السلام العالمي " آفاق المستقبل " يرمق أطيافه من بعيد، يحاول أن يرى ملامح وجهه قبل أن يسفر صبحه وتنبلج أنواه؛ وقد أمرنا الإسلام أن لا نضيع الحاضر بالمستقبل، كما أمرنا أن نعمل للمستقبل ونستعد له، وجعل إصلاح الحاضر بوابة لإصلاح المستقبل، فقال جل وعلا " وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا "، فجعل الحق جل وتقدس القول السديد والعمل الرشيد الذي يقدمه الآباء في حاضرهم وسيلة لإصلاح أبنائهم من بعدهم ؛ فدلنا على أن لا نعمل ليومنا فقط بل نعمل للجيل الذي يخلفنا ويحمي أرضنا وعرضنا ويحمل اللواء من بعدنا ويحمل الأمانة في عقبنا ؛ مع اليقين بأن علم ما في غد هو من الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمه.
وبيّن الدكتور داوود أن السلام العالمي يعني بمنطوقه أن يعم السلام أرجاء العالم ؛ فلا نرى حربا ولا قتالا، ولا نرى أبواقا تعمل جادة ليلها ونهارها لإيقاد نار الحرب؛ وهؤلاء هم النعارون في الفتن المرجفون في كل زمان ومكان، وهم إن لم يحملوا السلاح فقد كانوا السبب في حمله، وإن لم يدخلوا الحرب فقد كانوا طبولها وأبواقها، كما أن الحروب المشتعلة في بلاد متفرقة من العالم، سواء في دول العالم الأول أو دول العالم الثاني أو دول العالم الثالث، قاطعةٌ كلُّها بأن مصطلح " السلام العالمي" لا يزال حلما يراود العقول؛ ولا يزال كالمدينة الفاضلة التي كان يحلم بها أفلاطون، فهل نعيش لنراه بعيوننا واقعا يتحقق في عالم يسعى إليه ويحفد، وتقوم به مؤتمراته وتقعد، هل نعيش لنراه بعيوننا أم أنه طيف خيال؟.
وأكد رئيس جامعة الأزهر أن الأمم السعيدة الموفقة هي التي تطفىء نيران الحرب ولا تقحم نفسها فيها، وتدفع الشر، فما يشهده العالم من طغيان القوي المتكبر على الضعيف العاجز وما تعانيه الدول من ويلات هذا الطغيان في كساد اقتصادها وغلاء معيشتها - قاطعٌ بأن السلام العالمي لا يزال حلما كحلم أفلاطون بالمدينة الفاضلة، مؤكدًا أن أُمَّةً يتقدم ضعفاؤها الأولوية في التعليم والاقتصاد والصحة أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ.
وشدد أن عدوان الصهيونية العالمية على حق الشعب الفلسطيني ومقدسات المسلمين منذ ما يقرب من قرن من الزمان، وإن الحروب والصراعات والنزاعات في روسيا وأوكرانيا واليمن وسوريا وليبيا وهلم جرا، كل ذلك قاطعٌ بأن السلام العالمي لا يزال حلما كحلم أفلاطون بالمدينة الفاضلة، ولا يزال أملا يراود النفوس ويعانق الأحلام، ومع ذلك يبقى السعي نحو تحقيق السلام العالمي ضرورة يوجبها الشرع والعقل ويتفق على أهميتها كل ذي عقل سليم معافى من داء الهوى والغفلة ؛ حتى لا تشتعل حروب مدمرة تقضي على الأخضر واليابس، وتُهلك الحرث والنسل، والكبير والصغير، والغني والفقير، والقوي والضعيف.
وأوضح الدكتور داوود أنه إذا كانت الدعوة إلى الحرب دعوةً إلى الدمار والموت؛ فإن الدعوة إلى السلم والهدى والعدل دعوة إلى الحياة؛ وإن القرآن الكريم جعل نعمة الهدى تعدل نعمة الحياة فقال الله جل وعلا ( يا أيها الذين آمنوا استجيوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم " ( الأنفال 24 )، كما إن الدعوة إلى الله تعالى تكون بالقول والعمل، لقوله تعالى ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين " ( فصلت 33 )، ولاحظ ترتيب الأفعال الثلاثة: دعا – وعمل – وقال، ولاحظ تقديم العمل على القول في قوله " وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين " وهذا دال على ضرورة أن يسبق عمل الداعي قوله وأن يكون هاديا بعمله قبل أن يكون هاديا بقوله.
واختتم رئيس جامعة الأزهر كلمته بحث الدعاة على الإصرار على الدعوة وعدم اليأس مما يواجَهون به من الإعراض والتكبر والفرار، فلنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لم يثنه عن الاستمرار في دعوته أكثر من عشرين سنة إعراضُ المعرضين ولا تكذيب المكذبين، بل ما زاده ذلك إلا عزيمة على الرشد وحرصا على الدعوة، ولنا في سيدنا نوح عليه السلام مثل وقدوة في إصراره على الدعوة رغم ما لقي من إعراض وتكبر وفرار، فوضوح الهدف أمام الداعية واقتناعه وإيمانه به هو سبيل النجاح، قال الله جل وعلا ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ).