كلاكيت ثانى مرة!
أخيرا حدث التعويم للجنيه الذى كانت الأسواق تترقبه ويتحدث عنه لأسابيع مضت رجال أعمال ومصرفيون وخبراء اقتصاد بل ومواطنون عاديون أيضا، وذلك بعد أن أعلن عن اقتراب إبرام اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي من بين بنوده ترك الجنيه تتحدد قيمته تجاه العملات الأجنبيةَ طبقا لآليات السوق، أى العرض والطلب للنقد الأجنبي، وهو الاتفاق الذى كان مرتبطا إعلانه باتخاذ البنك المركزي تلك الخطوة لنحصل على ثلاثة مليارات دولار لدعم الموازنة..
وبهذا التعويم الجديد للجنيه والثانى في غضون ستة أعوام انخفضت قيمته فورا تجاه الدولار الأمريكى وبالتالى تجاه بقية العملات الأجنبيةَ الأخرى بنسبة ١٥ في المائة لتبلغ نسبة الانخفاض فيه هذا العام نحو ٤٠ في المائة. ولتوقع البنك المركزى أن ينتج عن ذلك موجة تصاعدية في معدل التضخم فإنه قام في ذات الوقت برفع أسعار الفائدة بنسبة ٢ في المائة للسيطرة على هذه الموجة، وهو ما سوف يحمل الموازنة العامة عبئا إضافيا سوف يؤثر على نسبة العجز فيها.. وقد كان واضحا في كلام محافظ البنك المركزى الجديد أمام المؤتمر الاقتصادى أن البنك سوف يعود إلى رفع سعر الفائدة حينما قال إنه لن يتردد في استهداف التضخم.. وهذا يشى بأن التغيير في قيادة البنك لم تغير أو تبدل وتعدل من سياسته.
الحماية الاجتماعية
لكن رغم أن رفع أسعار الفائدة يزيد العبء على موازنة الدولة فإن الحكومة بادرت بالإعلان عن مجموعة من إجراءات الحماية الاجتماعية التى شملت تقديم علاوة استثنائيةَ للعاملين بالحكومة وأصحاب المعاشات، لتتحمل بذلك عبئا آخر إضافيا، لأنها تدرك أن انخفاض الجنيه سوف يزيد من التضخم والغلاء.
وهكذا نكرر تجرع ذات الدواء مرة أخرى لعلاج أزمة النقص في مواردنا من النقد الأجنبي.. والمهم ألا نكرر ذات الخطأ الذى شاب علاج المرة الأولى حينما اعتمدنا على الأموال الساخنة لتدبير العجز في مواردنا من النقد الأجنبي.. فإن الأوضاع العالمية اختلفت وثمة إستهداف أمريكى لجذب هذه الأموال وإبعادها عن الأسواق الصاعدة، فضلا عن أن أزمتنا الحالية في النقد الأجنبي سببها هجرة جماعية لهذه الأموال لأسواقنا، حينما خرجت منها ٢٠ مليار دولار دفعة واحدة خلال أيام معدودة، تمثل نسبة خمس كل ما جمعناه من نقد أجنبي من صادرات وسياحة وقناة السويس وتحويلات العاملين فى الخارج واستثمارات مباشرة.
رهاننا يتعين أن يكون على زيادة مواردنا من النقد الأجنبي وتخفيض إنفاقنا منها.. زيادة مواردنا من خلال السياحة والاستثمارات المباشرة، خاصة الجديدة.. وتخفيض إنفاقنا بوقف استيراد ما نستطيع الإستغناء عنه من الواردات، ولدينا ما يمكننا الاستغناء عنه حتى تنفرج الأزمة وتزيد مواردنا أكثر من النقد الأجنبي.