بعد اغتياله على يد الاحتلال.. من هو وديع الحوح قائد عرين الأسود؟
"أنا لن أرثيك ولكن سيكون الثأر قاسيًا، طلبتها ونلتها ولنا اللقاء في جنان النعيم، سبقتني يا أخي كنا متفقين مع بعض نروح، لله نزفك شهيدا مقاتلا مجاهدا في صفوف جنود عرين الأسود".. هذا مما رثا به وديع الحَوَح القائد البارز في مجموعة "عرين الأسود" رفيقه في المقاومة وفي المجموعة نفسها تامر الكيلاني، الذي ارتقى شهيدا باغتيال إسرائيلي فجر الأحد الماضي، ليلحق به الحوح فجر اليوم الثلاثاء.
ولم يكن الزمان فقط هو ما جمع الشهيدين الرفيقين الحوح والكيلاني، ولا الوعود بينهما، إنما المكان أيضا، حيث ارتقى وديع الحوح شهيدا في حارة الياسمينة بنابلس أيضا، أحد أهم وأجمل حارات البلدة القديمة السبع، وبالتحديد في حوش العطعوط الحاضن على مدى التاريخ للمقاومين الفلسطينيين، والذي اختاره الراحل ياسر عرفات مهدا لمقاومته الاحتلال أواخر ستينيات القرن الماضي.
وعلى بعد أمتار من استشهاد الكيلاني، ارتقى الحوح ليسطّر مجدا جديدا في قائمة مجموعة "عرين الأسود" التي وضعها الاحتلال ضمن أهدافه الإستراتيجية "لإنهائها كظاهرة" بعدما اتهمها بالمسؤولية المباشرة عن مقتل الجندي الإسرائيلي عيدو باروخ قبل أسبوعين قرب مستوطنة "شافي شمرون"، وإرسال مسلحين لتنفيذ عمليات فدائية، وإطلاق النار على جنود الاحتلال، والتخطيط الدائم لاستقطاب مقاومين وجمع الأموال لذلك.
عروض الانضمام للأمن الفلسطيني
وقبل استشهاده رفض وديع صبيح الحوح (31 عاما) المكنى بـ"أبو صبيح" خلال اجتماعه بشخصيات أمنية وسياسية بنابلس، أية عروض بالانضمام للأمن الفلسطيني، والحصول على عفو مستقبلا من الاحتلال، مقابل تخليه عن المقاومة، فكان يرفض ويؤثر الشهادة على كل المناصب.
وتتالت أعمال المقاومة ليذيع صيت الحوح الذي هدده الاحتلال مرات عدة، فيرد عليه بأن المقاومة له بالمرصاد.
ميلاد اليتيم
هناك في حارة الياسمينة في البلدة القديمة بنابلس، ولد وديع الحوح وحيدا من الذكور بين شقيقاته الثلاث، وذاق مرارة الفقد واليتم مبكرا، فرحلت والدته وهو ابن 9 سنوات، ليكمل مشوار طفولته وحيدا، ويكمل دراسته حتى الصف العاشر ويتحمل مشقة العمل ليحيا كريما بعيشه.
تجرَّع الحوح مرارة الاعتقال مرتين (في العامين 2011 و2018) وقضى في سجون الاحتلال الإسرائيلي عامًا كاملًا، وطارده الاحتلال قبل اعتقاله الأخير، وبعد اعتقاله تعرض لتحقيق قاس.
وشكَّل الاعتقال قاعدة صلبة له ليلتحق بركب "عرين الأسود" ويجند بصفوفهم، بل ينفق عليهم من ماله الخاص، حتى "إنه ابتاع لنفسه بندقية على حسابه الشخصي، وكذلك قدَّم لرفاقه"، يقول أحد أقربائه.
وليس مع رفاقه فحسب، بل كانت علاقته طيبة وصادقة مع الجميع لاسيما شقيقاته، يقول محمود عماد زوج شقيقته: "لم يترك وديع مناسبة إلا ويتصل مطمئنا على شقيقته وأطفالنا، ويوصيني بهم خيرا".
ويضيف عماد: "حتى أمس وعند الساعة التاسعة مساء اتصل بشقيقته، وكأنه يريد وداعها، لكنها لم تنتبه لرنين الهاتف، ورحل دون أن تسمع صوته".
استعد للخطبة
وتجاه عائلته لم يقصر الحوح يومًا، فشارك في زواج شقيقاته الثلاث دون أن يفكر بالخطبة والزواج كأي شاب آخر، وبعد ضغط كبير مارسته العائلة جهَّز منزله مستعدا للخطبة، لكن بعد استشهاد رفاقه ومطاردة الاحتلال له منذ نحو 4 أشهر، كان يرفض كل العروض ويتحدى الضغوط قائلا: "اخترت طريق الشهادة ولن أحيد عنه".
وفي الآونة الأخيرة، يضيف زوج شقيقته: "كان يرفض وبشدة استقبال أحد من أهله في منزله، خشية قصف الاحتلال له".
ولم يكن محبا للجميع فقط بل "كريما خلوقا وشهمًا، ويهتم برفاقه الشهداء، وكان يرثيهم شخصيا أو يطلب رثاءهم مني"، يقول الشاعر عدنان بلاونة من مدينة نابلس.
يضيف بلاونة: "كان الشهيد الحوح يقول لكل من يرحل قبله من رفاقه: كنا متفقين نرحل مع بعضنا". واشتهر بمقولته للاحتلال "انتهى الكلام، بدأ الفعل باسم الله".
رجع النبض
ومن هول المشهد، لم يصدق شبان نابلس خبر استشهاد الحوح في البداية، واستنفروا صوب البلدة القديمة، ومن هناك انطلقوا إلى مشفى رفيديا لاسيما أن خبر إصابة وديع جاء متأخرا ولم يكن معلوما مكان إصابته وحتى نبأ استشهاده.
وتحت ضغط كبير من المقاومين وبعد إعلان استشهاده، أعيد الحوح لغرفة العمليات وأجريت محاولات عدة لإنعاش قلبه، وظلت كلمة "رجع النبض" الأكثر تداولا، ليأتي الخبر اليقين أن وديع قد رحل، وأن "النزيف كان حادا".