عندما يرضى الإنسان بما قسمه الله له!
كثيرًا ما يكون الخير كامنًا فيما نعتقده شرًا.. يقول الله تعالى " وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"، لكن الإنسان كثيرًا ما يجهل الحكمة فيما يجرى له ولو أنه رضى بما قسمه الله وتحلى بالصبر واليقين لأراح باله، لأن كل ما يحصل فيه خير ومسرة وإن لم يكن ظاهرًا للعين.. وهذا الشعور-إذا وجد- كفيل بأن يجلب لصاحبه التفاؤل والأمل في الحياة؛ لأن الأمل والتفاؤل لازمان في حياة الإنسان المؤمن من خلال توقع الأفضل دائمًا وإحسان الظن بالله تعالى لأن الله تعالى عند ظن عبده به دائمًا.
التفاؤل من صفات المؤمنين الذين يؤمنون بقوله تعالى "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا".. فالله يدبر الأمر بحكمة بالغة ولطف خفي لا يدركه إلا ذوو البصائر المستنيرة.. ومن سمات المؤمن أن يتعامل بموضوعية وإيجابية مع كل أمر يصيبه، وبنظرة متفائلة؛ فالخير قادم لا محالة، ومن هنا ندرك فلسفة "تفاءلوا بالخير تجدوه"؛ ذلك أن النفس الباطنة قادرة على توجيه التفكير إما في طريق الأمل والتفاؤل أو اليأس والتشاؤم.
أعظم ما في تفاؤل المؤمن أنه دائمًا ما يحتسب أمره عند الله تعالى؛ فإذا أصابه أمر جيد فيه خير وفرح، استبشر وشكر ربه على ما أنعم به عليه وبما فضله على غيره، وإذا حلت به نازلة أو وقع في مصيبة أو تعثرت بعض أموره لم ييأس ولم يقنط من رحمة ربه إنما يصبر ويحتسب أمره عند الله؛ هو يؤمن يقينًا بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وذلك خيرٌ له في كل الأحوال في دينه ودنياه وآخرته.
التفاؤل والطاقة الإيجابية
مثل هذا السلوك المطمئن هو ما نرجو أن نزرعه في نفوس أطفالنا منذ نعومة أظافرهم، ذلك أنه يربي فيهم الشعور بالأمل والتفاؤل لدى الإنسان الذي هو مسئول عن حياته وكيفية قضاء أيامها ولياليها؛ فإما أن تكون ليالي يملؤها التعب والهم والأسى والتفكير المرهق الخائف من الغد أو أن تكون حياة بسيطة راضية قانعة متفائلة بالمستقبل الأفضل؛ وهذا ما يترك أثر طيبًا في الإنسان يتسرب لمن حوله ويخلق فيهم شعورًا إيجابيًا حالمًا.. كما يجعل صاحبه في قوة وحماس وهمة لا تفتر وعزيمة لا تلين كالسيل لا تنضب.. يسعى دائمًا للأفضل وللتطور والتغير ومواكبة كل ما هو جديد.
والسؤال: هل يولد التفاؤل في فراغ.. والجواب بالطبع لا؛ فمثل هذا النمط لا يأتي دون عمل وتفكير منظم وتخطيط وتحقيق للذات يخلق شعورًا بالثقة وحب الحياة.. إن زراعة الأمل والتفاؤل في النفس البشرية تقع على عاتق الإنسان نفسه أولًا..فإذا ما جاهد وابتعد عن كل تفكير سلبي وصار يرى من الكوب نصفه المملوء فإن هذا لا محالة سيساعد في رسم حياة إيجابية متفائلة.
المتفائل قادر على نشر الطاقة الإيجابية وتعزيز روح التفاؤل والسعادة في روح المحيطين به على عكس المتشائم الذي يعطي من حوله طاقة سلبية وجوًا كئيبًا حزينًا منفرًا ينغص على الناس حياتهم. إن تذكير الناس بما يرفلون فيه من نعم يزيد تركيزهم وحرصهم على شكر الواهب لتلك النعم والحفاظ عليها بكل ما أوتوا من قوة ويقلص في المقابل من دائرة الشر والتعب والحزن التي يدور في فلكها كثير ممن اعتاد على النعم دون أن يقدرها حق قدرها.
إن كلمة طيبة تشيع جوًا إيجابيًا مبهجًا في نفوس سامعيها يساعدهم في تخطي العقبات وتجاوز الصعاب وتسليط الضوء على كل ما هو مفرح وفيه أمل وخير للمستقبل يؤدي إلى رسم حياة اجتماعية إيجابية متفائلة ولا يمكن إنكار أثر الكلمة في تغيير الكثير من الأفكار والقناعات إذا ما اختيرت في موضعها المناسب وقيلت للشخص المناسب؛ فليس كل ما يعرف يقال وليس كل ما يقال جاء وقته وليس كل ما جاء وقته حضر أهله.