حرب الشتاء.. توقعات ببدء روسيا عملية عسكرية كبرى في أوكرانيا.. ودعوة بوتين للتعبئة العسكرية ستغير الوضع
لن تتراجع روسيا عن الحسم العسكري ولو جاءها ألف وسيط للتراجع دون تحقيق أهدافها، هكذا تقول القراءة التحليلية للصراع بين روسيا وأوكرانيا، بعد أن اشتعلت بالضربات الأوكرانية المفاجئة التي زلزلت عرش الروس وجعلت بوتين يستدعي جزءًا من الاحتياطي العسكري لمواجهة الزيادة العددية الأوكرانية على الأرض في محاولة للحسم بعد أن دخلت الحرب مع الحليف القديم شهرها الثامن.
التعبئة العسكرية
حسب خبراء، فإن إعلان التعبئة في روسيا مؤشر على تعرض القوات الروسية لخسائر فادحة جراء الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا مؤخرا، والذى استطاعت فيه استرجاع مساحات كبيرة، مما سيجعل شهر سبتمبر هو بداية الفصل الأخير فى الحرب، ولهذا هناك مخاوف عالمية من لجوء روسيا لاستخدام أسلحة نووية في أوكرانيا مما قد ينذر باندلاع حرب نووية عالمية.
كانت صحيفة التايمز البريطانية المقربة من الاستخبارات الإنجليزية، أكدت أن شهر سبتمبر الجاري سيكون حاسما في الحرب الروسية الأوكرانية لعدة أسباب أهمها هو تفضيل الروس لحروب الشتاء وتكثيف هجماتهم، ويظهر ذلك بالنظر إلى تاريخ الحروب التي خاضوها، والأزمة الاقتصادية التي تتعرض لها الدول الأوروبية.
وأضافت «التايمز»، أنه بمجرد حلول الشتاء القارس فإن المساعدات العسكرية التي يرسلها الغرب إلى أوكرانيا ستتراجع، لذلك فإن شهر سبتمبر الجارى هو الفرصة الأخيرة أمام كييف.
ومن المحتمل أن تتسبب أزمة الطاقة في تحطيم الدعم الغربي لأوكرانيا خلال فصل الشتاء، وذلك بعد الارتفاع القياسى الذى شهدته أسعار الطاقة، بعد قطع روسيا إمدادات الغاز إلى أوروبا.
حرب الشتاء
وجاء فى تقرير «التايمز»، أن فصل الشتاء سيتسبب فى حدوث تغيير فى الحرب، لكلا الجانبين الروسى والأوكرانى، أو حتى الدول الغربية التى تدعم كييف، مشيرة إلى أن الروس ينتظرون حلول الطقس البارد لإيقاف الهجوم الأوكرانى المضاد الذى يهدف للسيطرة على خيرسون.
ونوهت الصحيفة البريطانية إلى أن هناك مشكلات تواجه الهجوم الأوكرانى المضاد لاسترداد بعض المناطق أهمها، التعزيزات الروسية فى الأيام الأخيرة، حيث عززت موسكو قواتها فى الجنوب (الوحدة 49) بواقع 24 ألف جندى من منطقة دونباس (الوحدة 35) للدفاع عن مدينة خيرسون.
وأوضحت التايمز فى تقريرها، أن الروس سيتمسكون بالسيطرة على خيرسون، وانتظار الشتاء ثم مواصلة هجوم دونباس المتوقف مرة أخرى.
وأشارت فى تقريرها إلى المشكلة الثانية التى تواجه الهجوم الروسى، وهى أن الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، مصمم على مواصلة العملية العسكرية التى تشنها قواته منذ فبراير الماضى بأى شكل من الأشكال إلى أجل غير مسمى، مما ينذر بمستقبل غامض لكييف غير معروفة عواقبه.
وأكدت أنه دون زيادة الدعم العسكرى الغربى، لا يمكن لأوكرانيا أن تتقدم من الخسارة ببطء فى كل مكان إلى الفوز فى مكان ما، ودون الدعم المالى الغربى الذى يقترب من 9 مليارات دولار شهريًا، لا تستطيع الحكومة الأوكرانية ببساطة الاستمرار فى العمل بينما تخوض أيضًا حربها من أجل البقاء.
وفى هذا السياق قال اللواء سمير فرج، المحلل العسكرى، إن روسيا تستعد لعملية عسكرية كبرى ستشنها فى فصل الشتاء القادم لاستعادة كرامة العسكرية الروسية بعد الخسائر التى منيت بها خلال الحرب خاصة خلال الأيام القليلة الماضية.
وأوضح سمير فرج أن الروس يفضلون القتال فى فصل الشتاء، حيث يحقق لهم التفوق، وذلك يرجع إلى طبيعة بلادهم الجليدية، حيث إنهم استطاعوا تحقيق مكاسب فى المعارك التاريخية من خلال استغلال فصل الشتاء والبرد القارس.
وتوقع فرج أن تحقق روسيا مكاسب عسكرية كبيرة خلال العملية التى ستشنها فى فصل الشتاء، مؤكدا أنها ستستخدم أسلحة أقوى، ومما سيحقق لها الغلبة أيضًا قوتها النيرانية التى تتفوق على نظيرتها الأوكرانية.
وأضاف الخبير العسكرى، أن السبب فى تراجع القوات الروسية أمام الأوكرانية خلال الأيام القليلة الماضية، هو المعلومات العسكرية التى زودتها بها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، وليس المساعدات العسكرية التى حصلت عليها.
وأشار فرج إلى أن أغلب المساعدات العسكرية التى حصلت عليها أوكرانيا هى دفاعية أكثر من كونها هجومية، موضحا أن موسكو تحذر من إرسال الغرب صواريخ بعيدة المدى كونها تهدد العمق الروسى، معتقدا أن الغرب لن يرسل مثل هذه الأسلحة إلى كييف فى الوقت الراهن خشية توسع دائرة الحرب.
مواجهة مباشرة
وأكد أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد أن تدخل فى حرب مباشرة مع روسيا، خاصة أنها تدخل على انتخابات تجديد نصفية خلال شهر نوفمبر المقبل، منوها إلى أن الروس حولوا الحرب العسكرية إلى حرب غاز، حيث يراهن بوتين على سلاح الغاز فى إجبار الدول الأوروبية على التراجع عن موقفهم الداعم لأوكرانيا، بالإضافة إلى أنه يستخدم الغاز أيضًا كسلاح لتفكيك الاتحاد الأوروبى.
وقال فرج إن الشعوب الأوروبية لن تقبل بهذا الوضع، خاصة عندما يحل الشتاء القارس، وتحدث أزمة فى الطاقة بسبب إيقاف الإمدادات الروسية، مما قد يجبرهم على معارضة القرارات التى اتخذها قادة دولهم ضد موسكو.
أما من ناحية تأثير الأزمة الاقتصادية التى تشهدها أوروبا على الحرب فى فصل الشتاء بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، فيرى الدكتور صلاح فهمى الخبير الاقتصادى، أن هذه الأزمة لن يكون لها تأثير على تدفق المساعدات العسكرية التى يرسلها الغرب إلى كييف.
وأضاف أن الأزمة التى تشهدها أوروبا ستزيد بحلول الشتاء نظرا لنقص موارد الطاقة لديها، بالإضافة إلى ارتفاع أسعارها، مشيرا إلى أن هذه الدول سترفع الدعم عن الطاقة.
وأشار إلى أن الدول الأوروبية أيضًا اتخذت بعض الحيل لتقليل استهلاك الطاقة، من ضمنها تحديد معدلات التدفئة، بحيث لا تزيد على 15% فى اليوم، وهو ما يراه الخبير الاقتصادى معدلًا منخفضًا.
وأكد فهمى أن المصانع فى أوروبا تأثرت بأزمة الطاقة، موضحا أنها تعمل بنصف طاقتها الإنتاجية، بالإضافة إلى أنها سرحت العديد من العمال، وأضاف فهمى أن الدول الأوروبية قد تضطر إلى إعلان «اقتصاد حرب»، من أجل مواصلة إرسال المساعدات العسكرية لأوكرانيا، فى حال استمرار أزمة الطاقة، وأشار إلى أن إعلان اقتصاد حرب، يعنى أن تسخر موارد الدولة للقطاع العسكرى، وذلك فى حال زيادة التهديدات إثر الحرب الروسية الأوكرانية.
وفى السياق ذاته قالت سمر رضوان الباحثة السورية والخبيرة فى الشأن الروسى أن بدء القوات الأوكرانية بالهجوم المضاد حقق لها انتصارًا جزئيًا، حيث استعادت مدينة خاركوف التى كانت واقعة تحت السيطرة الروسية، ما أجبر موسكو على الانسحاب منها لعوامل كثيرة، أهمها الحفاظ على أرواح الجنود الروس.
وأضافت الباحثة السورية، أن الهجوم المضاد شكل مفاجأة للقيادة الروسية على الرغم من أن سلطات كييف ذكرت أكثر من مرة أن شهر أغسطس يحمل مفاجآت كبيرة، وكان تحرير مدينة خاركوف من بينها، وهنا تجدر الإشارة إلى أن العمليات القتالية الأوكرانية على الأرض تتم بالتنسيق من الناتو، وكذلك المخابرات الأمريكية والبريطانية، فضلًا عن الإمدادات العسكرية المتطورة المستخدمة فى المعارك.
تغيير الخريطة
وتابعت: اعتقدت كييف أن انتصارها الجزئى سيمكنها من إكمال المخطط، لكن بعدما استفاق الجانب الروسى من الوضع، صد كل محاولات الجانب الأوكرانى فى اتجاه خيرسون وفى اتجاه دونيتسك.
وذكرت سحر رضوان، أنه سبق وأعلنت القيادة الروسية أنها تستخدم قوام محدد من الجيش الروسى فى العملية العسكرية، لكن قرار الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بإعلان التعبئة «الجزئية» أى إضافة عدد آخر من المتطوعين ممن تتوافق أوضاعهم والشروط التى وضعتها القيادة العسكرية الروسية يحقق عددا من الأهداف التالية، إذ بجانب قرب دخول فصل الشتاء المحبب للروس، ستحاول موسكو من خلال هذه الإجراءات استعادة ما فقدته من مناطق فى معارك دونباس إذ تتبقى بعض المدن تدور رحى المعارك حولها، مثل كراسنى ليمان، سوليدار، دونيتسك، سلافيانسك، وكذلك فى أجزاء من أوكرانيا، مثل زابوروجى، وإنرجودار، ومحيط نهر إنغلويتس ودنيبر وغيرهم من المواقع.
وأوضحت رضوان أن هذا الواقع يحتاج إلى تعبئة عددية، لأن هناك عناصر خسرتها موسكو فى الجانب الروسى لخاركوف، على سبيل المثال بسبب التفوق العددى الأوكرانى عليهم، لكن على صعيد التسليح من المعروف أن هناك الآن أسلحة نوعية فى روسيا لم تدخل عمليًا بشكل مباشر فى المعارك، من بينها صواريخ «زيركون» الباليسيتة التى، وبحسب وزير الدفاع الروسى، تم استخدامها ما بين مرتين إلى ثلاث مرات.
واستطردت: هذا يعنى أن التعبئة البشرية ستغير من الوقائع الميدانية على الأرض، وما يؤكد ذلك «الهستيريا الدولية» المستمرة حتى الآن.
نقلًا عن العدد الورقي…،