محاكمة أفكار القرضاوي
للموت مهابة لا تتسق مع نقد الراحلين ولكن هذا لا يمنع من محاكمة الأفكار التي سعوا لنشرها خلال حياتهم، فالفكرة كما يقال لا تموت بموت صاحبها، وهكذا فإن وفاة القرضاوي لا تعني وفاة أفكاره، ولا تعني فتح أبواب الهجوم على شخصه بقدر ما هي فرصة للاقتراب من أفكاره النهائية والحقيقية، ومحاكمتها وربما كان واحدا من فقهاء الإسلام في العصر الحديث ومن أغزرهم إنتاجا وأعمقهم اجتهادا (خاصة في مراحله الأولي) غلب عليها تحكيم العقل والوسطية والاعتدال وهو أيضا فقيه الصحوة الإسلامية بكل ما لهذه الصفة وما عليها..
ولكنه كان من أهم رموز الإخوان، وهو ما قيد من حركته وحد من وزنه وتأثيره، فالإسلام أوسع كثيرا من الجماعة، أي جماعة، وجماعة الإخوان تظل هي العباءة الأم التي خرج من تحتها معظم التنظيمات الجهادية. ولهذا أيد الثورة من منطلق إخواني وليس من منطلق دولة مدنية ديمقراطية حرة، وقد لعب دورا كبيرا في الفتنة التي حدثت في ليبيا وسوريا واليمن ومصر، مما أدي إلي دمار دول وموت مئات الآلاف من أبناء تلك الدول وملايين المصابين وخراب اقتصادي كبير.
و كان يؤدي دورا خدم فيه أعداء الإسلام وبعض الدول التي تآمرت علي دول أخري مما أدي إلي تحول الربيع العربي إلي خراب عربي كبير، وكان قد أصدر فتوى بقتل العقيد معمر القذافي، وأهاب بالعسكريين الليبيين عدم طاعة القذافي، وأيد تدخل الناتو في ليبيا حتي تم تدميرها، الآن ليبيا ضاعت لا أمن فيها ولا آمان وسرقت أموال الشعب الليبي علي يد مجموعة من المرتزقة، وأيد بشار الأسد عندما كانت العلاقة بين حماس والأسد متينة، وعندما ساءت العلاقة بين حماس وبشار الأسد وصف القرضاوي الأسد بالمجرم وهذا موقف سياسي فقط..
كما دعا جنود الجيش المصرى وضباطه للخروج على قادته وعصيانهم والانشقاق عليهم وقتلهم إن لزم الأمر، فهل من الدين ما يعطى أى شخص الحق في دعوة جنود جيش مسلم لقتل قادتهم والعصيان وهل من الدين أن عدو الإسلام ليسوا اليهود ولكن بشار والقذافى ومبارك كما زعم، وأنكر على الجزيرة حديث سيدنا رسول الله وأنه حديث آحاد والخاص بأن جند مصر خير أجناد الأرض، وعليه يمكن مقاتلاتهم..
تحول الآفكار
صدر ضده حكم غيابي بالإعدام عام 2015، في القضية المعروفة إعلاميا بقضية اقتحام السجون، والتي وقعت أحداثها تزامنا مع ثورة 25 يناير 2011. والإخوان المسلمين معلوم تأثيرهم السلبي ولأن كل تحركات الإخوان منذ عقود هي مناكفة الديكتاتوريات العربية والسماح لها بأخذ الحجج في تمرير سياسة التسلط والاستبداد، وكانت الشعوب هي التي تدفع الثمن..
وهكذا كان للإخوان وفقهاؤهم دور مهم في تثبيت التخلف العربي، وكان الراحل يخلط ما بين مقاصد الشريعة لعموم المسلمين، وبين الخيارات السياسية لتنظيم الإخوان، وهو ما ظهر واضحًا في أحاديثه ومحاضراته، كما أدار معارك حزبية مذهبية لم يجن المسلمون منها أي فائدة. حتى أفكاره التي روج لها الإخوان، وقناة الجزيرة قبل ما يسمى بـ الربيع العربي ومدونة في الكتب تتحدث عن الحفاظ على المجتمع، وتسعى إلى التروي والتوقف عن التكفير وإراقة الدماء..
وكثر الحديث عنه كمفت تجديدي وسطي يملك القدرة على فهم الحال، وإطلاق الفتوى الصحيحة. لكن تحولا حادًا وجذريًا مر بالقرضاوي، أثناء وبعد الربيع العربي، فقد طغت شخصية الإخواني على روح الفقيه داخل عقل ووجدان القرضاوي، فإنحاز بكل جوارحه للإخوان واختياراتهم السياسية والحزبية، فهاجم رؤساء دول عربية، كان في السابق يثني عليهم، ويمدحهم ويقبل هداياهم، ثم انقلب على وسطيته وسلميته إلى التحريض على استخدام الأسلحة والرصاص والمفرقعات في صراع الميليشيات الإسلامية ضد الجيوش النظامية الوطنية، مما هدد سلامة المواطنين الأبرياء والذي سقط منهم الكثير جراء تلك الفتاوى الحادة.
وعموما فإن هناك مواقف لا نحتاج فيها للرمادية. الأمر أبيض أو أسود. إما ضد جماعة الاخوان ورموزها أو مع الجماعة وما تشيعه بين الشعوب العربية والمسلمين من بلبلة في خلط فكرة الوطن في نفوسهم واستبدالها بفكرة الخليفة الاخوانجي. وهذه الفكرة هي التي كان القرضاوي ورفاقه يجتهدون من في زرعها في نفوس المسلمين بشعارات درامية مثل إسلوبه الدرامي واللغوي القوي..
فما قيمة العلم بكتاب الله وأنا أحرف الكلم عن مواضعه واستدل به فيما يخدم جماعة معينة، واستبيح كل وسيلة حتى الدم؟ هناك حديث شريف يتكلم عن علماء على أبواب جهنم. رغم كونهم علماء. ولكنهم استخدموا علمهم لتغييب وعي الناس وإلباس الباطل ثوب الحق. لا نحكم لأحد بجنة أو نار. فهذا لا شأن لنا به. ولكن نحكم على أقوال وأفعال حدثت بيننا ورأينا عواقبها.