الهبوط الآمن للجنيه
وسط تنامي بورصة التكهنات بشأن نتائج اجتماعات لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي خلال ساعات لم يعد هناك خلاف حول خطوة خفض الجنيه، ولكن الانقسام حول ما إذا كان الخفض سيكون تدريجيا أم حادا كما حدث في نوفمبر عام 2016 وهناك شبه إجماع على أن السياسة النقدية حاليا لديها قدر كبير من الذكاء في اتباع خفض تدريجي للعملة المحلية لحين حدوث انفراجة في موارد النقد الأجنبي من شأنها أن تعزز من قوة الجنيه مقابل الدولار.
وهذا الخفض التدريجي قد يكون الهدف منه إعطاء إشارة للمواطنين بمسار العملة في الفترة المقبلة، وبالتالي عندما يسرع عملية الخفض لن تكون مفاجأة مقارنة بالتحرك من وضع ثابت منذ فترة طويلة كما يعطي إشارة إلى أن هناك مستهدف معين يجب الوصول إليه في المدى القصير وإن ذلك قد يكون في إطار التفاهمات مع صندوق النقد، بهدف إيجاد مرونة في سعر الصرف وخفضه بنسبة معينة.
التضخم وسعر الصرف
كما أن ترك سعر الصرف لسعر السوق بشكل كامل في الفترة الحالية مرة واحدة سيؤدي إلى صعوبة التنبؤ بسعر صرف الدولار في ظل وجود ضغط كبير على الجنيه، نتيجة زيادة الطلب على العملات الأجنبية مقابل تراجع المعروض، وهكذا فإن خفض الجنيه بهذا الشكل التدريجي، هو السيناريو الأفضل فلا توجد مصلحة لخفض الجنيه بشكل فوري، حتى لا يؤثر بشكل حاد على التضخم خاصة أن السعر الذي يجري تداوله في السوق السوداء أو في تسعير بعض السلع مثل الذهب يتراوح بين 21 و22 جنيه.
وهذا الوضع يثير توترا في حركة الاستيراد ويعطل البضائع في الموانئ، ويؤخر دخول التدفقات الأجنبية وبالتالي قد يكون هذا المستوى هو السعر الاستكشافي المستهدف من قبل السوق. وما يجري حاليا هو أن البنك المركزي والحكومة يبحثان كيفية إدخال المرونة على سعر الصرف بما يساعد في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي وضبط الأسعار.
والأمر المؤكد أن الأمر ليس بيد أحد الأمر أكبر من ذلك لأن قوة العملة انعكاس لقوة الاقتصاد، وعندما يتحسن الاقتصاد تتحسن قيمة الجنيه فسعر الدولار أمام الجنيه عرض وليس المرض، فقد تراجع بنحو 22 بالمائة منذ مارس الماضي نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية وخروج المليارات الساخنة.
ومع ارتفاع أسعار الفائدة، تصبح تكلفة تمويل الأنشطة الاقتصادية أعلى، وتقل الجدوى الاقتصادية للعديد من المشروعات، إذ يلجأ المستثمرون لاستثمار أموالهم في الأوعية ذات العائد الثابت والخالية من المخاطر، مع ضبابية المشهد الاقتصادي ووجود عائد أعلى من البنوك، وهو ما قد يؤثر على كافة الأنشطة الاقتصادية.
وفي أغلب الأحيان ترتفع الودائع المصرفية بصورة كبيرة مع ارتفاع أسعار الفائدة، وهو الأمر الذي قد يقلل من المعروض النقدي ويقود الأسعار للهبوط مرة أخرى وبالتالي مستويات التضخم، حسب مدى سرعة الاستجابة لقرارات الفائدة. وتعمل خطوة رفع الفائدة علي كبح جماح التضخم والحفاظ علي الأموال الساخنة وضبط السياسة المالية من خلال تقليص حجم الكتلة النقدية داخل الأسواق، وبالتالي يتراجع الاستهلاك وتعيد الأسواق برمجة القوة الشرائية بناء على السيولة المتوفرة.
وفي المقابل هناك مخاطر، هي الركود وتراجع معدل النمو وتضرر البورصة والاستثمار حيث تتراجع فترة دورة السيولة داخل الأسواق وما يحدث في مصر من هبوط آمن للجنيه يتكرر في معظم دول العالم، والكل يراهن علي وقف الحرب الروسية الاوكرانية سريعا لتبدأ مرحلة التعافي التي قد تطول هي الأخرى قبل أن يستعيد العالم أوضاع ما قبل الحرب.