رئيس التحرير
عصام كامل

حروب الحدود الزرقاء.. أطماع إسرائيل فى غاز المتوسط.. وأزمة «كاريش» بين لبنان وتل أبيب على وشك الانتهاء

حقل كاريش
حقل كاريش

تتشارك عدد من الدول فى حدود البحر المتوسط، منها مصر ودول المغرب العربى (ليبيا والجزائر وتونس والمغرب)، بالإضافة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلى ولبنان وتركيا واليونان وقبرص.

ولكن الشيء اللافت للنظر، هو ما ورد فى تقرير لصحيفة إندبندنت الإنجليزية، بأن حقول الغاز فى المتوسط لم يتم اكتشافها بين عشية وضحاها، إذ إنه من المؤكد أن خرائط المسح السيزيمى لمياه الحوض الأكبر فى العالم كانت قائمة لدى الدول الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، مؤكدة أنه لم يتم البدء فى الاكتشافات إلا وفقا لخريطة مصالح أممية قد لا تبدو ظاهرة للأعين فى الحال، لكن سيتم الكشف عنها فى المستقبل.

وتحتوى منطقة شرق المتوسط على احتياطى كبير من الغاز الطبيعى، والذى يقدر بنحو 300 تريليون قدم مكعب، وهو ما يمثل ثروة هائلة تقدر بمليارات الدولارات، خاصة مع ارتفاع أسعار الطاقة فى الوقت الراهن.

ومع زيادة حاجة الدول الأوروبية إلى الغاز الطبيعى، وذلك بعد إيقاف الإمدادات الروسية التى تمثل أكثر من 40% من استهلاك القارة العجوز، اتجهت أنظار الغرب إلى مصادر بديلة وأهمها غاز شرق المتوسط، والذى يعتبر طوق النجاة لهم.

فما إن هدأت وتيرة الصراع بين تركيا واليونان على حقول الغاز التى تم اكتشافها قبالة سواحل قبرص، والتى تسببت أيضًا فى تفجير الأزمة الليبية، إلا وظهرت أزمة جديدة فى المتوسط بين لبنان ودولة الاحتلال الإسرائيلى بسبب حقل كاريش.

صراع الحدود البحرية

واستغرقت أزمة ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان فترة طويلة، إذ توقفت المفاوضات فترة طويلة، ولكن مع ارتفاع أسعار الطاقة وانفتاح شهية أوروبا على غاز المتوسط، بدأت دولة الاحتلال بالمبادرة وأرسلت سفينة تنقيب إلى حقل كاريش المتنازع عليه مع لبنان، وذلك بمباركة أمريكية.

وضمانا لبدء عملية استخراج الغاز من حقل كاريش قبل حلول الشتاء الأليم الذى ينتظر أوروبا، تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية فى الأزمة بين لبنان وإسرائيل لضمان حصول حلفائها على الغاز مما يساعد فى تخفيف حدة الأزمة عليهم.

ويبدو أن الولايات المتحدة مارست ضغوطها على الطرفين للقبول بالاتفاق لتسريع عملية استخراج الغاز الطبيعى، حيث كشفت تقارير إعلامية أن الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان بات شبه ناجز، مؤكدة أن حقل كاريش النفطى سيبقى مع إسرائيل، فى حين يكون حقل قانا كاملًا من حصة لبنان.

وأوضحت التقارير أن شركة «إنرجين» اليونانية الفرنسية التى تنقب فى حقل كاريش هى من ستتولى التنقيب واستخراج الغاز من حقل قانا، كاشفة أنها ستدفع لإسرائيل تعويضا ماليا من أرباحها بخصوص ادعاء تل أبيب ملكية جزء من حقل قانا.

أزمة حقل كاريش

وأكدت التقارير أن استخراج الغاز من كاريش سيكون مطلع شهر أكتوبر المقبل، من دون أن تستبعد إقدام ميليشيا حزب الله على شن عملية أمنية محدودة ضد الحقل المذكور فى الفترة الفاصلة للقول إن التنازل الإسرائيلى جاء بفعل التهديد.

وهذا ما أكدته وسائل إعلام إسرائيلية، حيث قالت صحيفة معاريف العبرية، إنه فى ضوء المحادثات حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والاحتلال الإسرائيلى؛ سيتم تأجيل استخراج الغاز من حقل كاريش.

الذى كان من المقرر أن يبدأ مطلع شهر سبتمبر الجارى. وبحسب التقديرات سيتم تأجيل استخراج الغاز حتى نهاية شهر أكتوبر، وربما أبعد من ذلك.

ووفقا للصحيفة، فإن هذه الخطوة تأتى بسبب خشية الاحتلال من تنفيذ حزب الله تهديداته، فى حال تم استخراج الغاز دون مراعاة المصالح اللبنانية وترسيم الحدود البحرية.

تقسيم الحدود البحرية بطرق فنية

وفى هذا السياق، قال السفير جمال بيومى مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن تقسيم الحدود البحرية يتم بطريقة فنية، حيث إن المياه الإقليمية للدولة تمتد على مسافة 12 ميلا، وذلك وفقا لاتفاق قانون البحار الذى تم توقيعه فى 1982، مضيفا أن المنطقة الاقتصادية تمتد على مسافة 200 ميل بحرى، حيث يحق للدولة أن تستغل هذه المنطقة فى الأعمال الاقتصادية ومنها استخراج النفط والغاز.

ونوه جمال بيومى، إلى أن سبب أزمة ترسيم الحدود البحرية، بين إسرائيل ولبنان، خاصة على حقل كاريش، ترجع لعدة أسباب، أهمها: طمع دولة الاحتلال فى السيطرة على موارد الدول المجاورة، بالإضافة إلى الأزمات التى يمر بها لبنان، مما أعطى الفرصة لتل أبيب فى استغلال حالة الانقسام السياسىداخل لبنان.

وأضاف جمال بيومى أن دولة الاحتلال الإسرائيلى تستغل أيضًا المنطقة الاقتصادية لقطاع غزة، حيث إنها لا تعترف بحدود لها، وأول اعتراف إسرائيلى بحدودها كان مع مصر، وذلك بعد حرب أكتوبر 1973، ثم جاءت لتعترف بحدودها مع الأردن، وهو ما تعتبره دولة الاحتلال هزيمة لها.

أما فيما يتعلق بالمفاوضات بين إسرائيل ولبنان، أوضح جمال بيومى، أن سبب الفشل المتكرر لهذه المفاوضات راجع إلى أن الحكومات المتتالية فى تل أبيب ليس لديها القدرة على التفاوض والالتزام باتفاقيات دولية.

ومن جانبه قال الدكتور أيمن سمير، أستاذ العلاقات الدولية، إن إسرائيل خالفت القانون الدولى واتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1968، والتى تقتضى بأن تحدد الدولة جرفها القارى (المنطقة الاقتصادية الخالصة) مع الدول المجاورة لها قبل البدء فى أى أعمال تنقيب أو أنشطة اقتصادية، وهذا ما فعلته تل أبيب فى حقل كاريش.

وأشار سمير إلى أنه فى حال وقوع خلاف بين دولتين حول ترسيم الحدود البحرية، ينبغى عليه التحاكم بناء على اتفاقية البحار التى تم توقيعها فى الأمم المتحدة عام 1982، ولكن يبقى نقطة خلافية داخل هذه الاتفاقية، وهى الجرف القارى المخصص للجزر التابعة للدول، وهو سبب الخلاف الرئيسى بين اليونان وتركيا على ترسيم الحدود، حيث تعترض أنقرة على تخصيص 200 ميل بحرى للجزر فى حين أن أثينا وقبرص تعترضان على ذلك باعتبار أن الجزر تابعة للدولة المصرية مما يدل على أنها متوافقة مع القوانين الدولية ولا توجد خلافات مع دول الجوار فى ترسيم الحدود.

نقلًا عن العدد الورقي…

الجريدة الرسمية