رئيس التحرير
عصام كامل

كاتب بالأجرة

الأزمات التي عاشتها وتعيشها المنطقة العربية في العقد الأخير إنعكست على الصحافة، فأفرزت فصيلًا جديدًا من الكتاب، هو كتاب الأجرة، الذين ينشطون  مع تفاقم الأزمة، ويهدأون مع خفوتها، ويختفون مع زوالها، حتى إذا عادت عادوا مع إرهاصاتها. كتاب الأجرة منهم محليون، وهؤلاء يسخرون أقلامهم لتبييض وجه مسئول مأزوم، أو لمساندة رجل أعمال شابت أعماله الشوائب، ونالت البطحات من رأسه فأصبحت بحاجة لمن يضمدها، ولا يضمدها إلا حبر قلم مأجور.

ينتقل كاتب الأجرة من المحلية إلى الدولية، فيبحث عن مناطق الأزمات، ثم يبدأ في تقديم نفسه بمقال أو إثنين لزوم لفت الإنتباه، فإذا تم استدعاؤه من الدولة المأزومة فقد وصل إلى هدفه، وإذا فشل في لفت انتباهها طرق باب سفارتها ليعرض نفسه. 

صفات كاتب الأجرة

كاتب الأجرة لا هدف له إلا جمع المال، ولا وطن له إلا ذلك الوطن الذي يدفع أجرته، ومن أجل هذا لابد أن تتوفر فيه مجموعة من المواصفات في مقدمتها فقدانه الكامل لكل الحواس، فهو لا يرى نظرات إحتقار من حوله ولا يقرأ ما يكتب عنه، ولا يسمع الشتائم الموجهة له، ولا يشم الرائحة الكريهة التي تنبعث من كتاباته، ولا يشعر بوخز الضمير، بإختصار.. هو لا يرى إلا المال، ولا يسمع إلا صوت ماكينة عده، ولا يتكلم إلا عن أسعار العملة، ولا يميز في الرائحة إلا بين العملات.

كاتب الأجرة لا مبادئ عنده، يقول الشيئ ونقيضه، تتباين مواقفه مع تباين الجهات التي تستأجره، يتلون كالحرباء مع لون العملة المدفوعة، وتتكاثر طبقات جلده وتتضاءل مع قيمتها، فهناك طبقة للجنيه، وأخرى للدرهم والريال والدينار، أما الطبقة الأكبر والتي تفقده الإحساس بما يكتب وتصم أذنه عن كل ما يقال عنه فهي طبقة الدولار.

كتاب الأجرة برزوا في العقد الأخير، وأصبحوا يعلنون عن أنفسهم دون خجل، يعرفهم من يعمل في الصحافة، ويعرفهم المواطن البسيط، مواقفهم وما سطروا وقالوا يختزنها جوجل واليوتيوب. أما خطورتهم الحقيقية فهي عدواهم التي إنتقلت إلى آخرين من جيل الشباب، حيث لمعت حياتهم الرغدة في عيونهم، فصاروا قدوة لهم.
كتاب الأجرة دمروا المهنة، وأفقدوها مصداقيتها، وأفقدوا من يؤجرهم مصداقيته، ورغم ذلك ما زال البعض مستمر في إستئجارهم.

besheerhassan7@gmail.com

الجريدة الرسمية