شيرين غالب وملاك الحقيقة المطلقة !
منذ أيام ومجتمع السوشيال ميديا يعيد تدوير مقطع مصور انتزع من سياقه للدكتورة شيرين غالب ـ أول سيدة مصرية تفوز بمنصب نقيب أطباء القاهرة ـ وأستاذ الطب الشرعي والسموم بكلية الطب جامعة القاهرة، وكالعادة اشتعلت معركة فارغة تعبر بجلاء عن الواقع حاليا.
كانت كلمة نقيب أطباء القاهرة وللمفارقة قبل عام من الآن.. أي أن المقطع ليس حديثا ليشعل كل هذه الضجة توصى طالبات كلية الطب جامعة الأزهر خلال حفل تخرجهن بالاهتمام بالحياة الخاصة ووضع المنزل في المكانة اللائقة وإعطاء الأولوية للأطفال وتربيتهم والاعتناء بهم عبر اختيار قسم يناسب جهد كل طالبة وقدرتها على التحمل بحيث يكون هناك توازن بين العمل وأعباء المنزل حتى لا يضيع الأطفال كما يحدث الآن في المجتمع المصري الذي زادت فيه حالات الطلاق خلال العام الأخير فقط بنسبة 14.7% في وقت لم يتجاوز الإقبال على الزواج أكثر من 5.0 % !
وجهة نظر مختلفة
لم تكن هذه الوصية التي لم تزد عن دقيقة مجمل حديث السيدة المشهود لها بالاحترام والكفاءة في الأوساط الطبية مجمل سير اللقاء، بل شهد أيضا عدة توصيات آخرى متعلقة بالمهنة وكيفية التعامل مع المرضى بطريقة احترافية وأخلاقية. لكن جرى إخفاء مجمل التصريحات أو تجاهلها وللمفارقة أيضا ـ سواء من الذين يحاولون إبراز الوجه الأخلاقي لطلاب وطالبات الأزهر باعتبارهم الأكثر ملائمة لحمل قيم الدين والمجتمع، أو الذين يتسابقون في تصدير أنفسهم على أنهم الأكثر قدرة في تمثيل النساء في الإعلام أو ساحات القضاء أو المحافل والكيانات الرسمية ـ أنصار القيم النسوية الصحيحة.
لم يسأل هؤلاء عن تاريخ اللقاء ومجمله، ولم يهتموا بنزع التصريح من سياقه، ولا اعترفوا بأحقية كل إنسان أن يكون له تصوراته الخاصة حتى لو يحمل صفة رسمية ـ فمن الطبيعي أن يكون هناك تنوع وتصورات ثقافية وأيديولوجية مختلفة في أعلى المناصب، وهذا الصراع في الأفكار والقيم الدليل الأكثر منطقية على حيوية المجتمع وثراءه وليس جموده وتخلفه.
بعيدًا عن الأسرة التي تتعرض للتدمير والتجريف والتي يبدو أنها أصبحت في آخر حسابات الكثيرين، من حق الدكتور شيرين غالب الحاصلة على الماجستير والدكتوراة في الطب الشرعي والسموم والمرأة الوحيدة في الوطن العربي التي منحتها الكلية الإنجليزية زمالة الطب الشرعي وأول نقيب أطباء امرأة في القاهرة والمرشحة بقوة لتولي منصب مدير وحدة في كلية القصر العيني تسويق تجربتها الناجحة في المنزل والعمل لطلابها كما رأتها ومارستها ومن حق الآخر أن يكون له وجهات نظر مختلفة.
كل صاحب تجربة ناجحة يسعى لإصلاح الواقع يستحق الاحترام باعتباره ذات قيمة متساوية، وليس من حق أحد إدعاء امتلاك الحقيقة المطلقة وخاصة بعد أن أصبحت عبادة الأفكار والأيدلوجيات من خطايا المجتمع المصري الكارثية في السنوات الماضية.. إذا أردنا اللحاق بالمجتمعات المتحضرة كما نسوق دائما ـ علينا احترام أي فكرة تقول تجاربها أنها تنتج نتائج ذات حيثية على الأرض، فهذه وحدها التي توحي بقوة الحقيقة وليس غيرها!