الخصوصيات باتت على الملأ!
فعليًا.. يقول خبراء وباحثون ومختصون إن وسائل التواصل الاجتماعي تهدم العلاقات الاجتماعية ولا تبنيها، وتجعل المرء أكثر انشغالًا بصفحات افتراضية أكثر من اهتمامه بعلاقات فعلية في واقعه الأصلي، وتصاعدت معها حدة التأثيرات السلبية التي أصابت العلاقات الزوجية والعائلية في مقتل بعدما دأب رواد تلك المواقع على نشر خصوصياتهم وتفاصيل حياتهم اليومية على الملأ جهارًا نهارًا دونما اكتراث ولا وعي؛ حتى إن أحدهم ذكرًا كان أو أنثى لو ذهب للحج أو العمرة أو أصابته ضراء أو وعكة صحية طارئة قام بتصوير ذلك ونشره على الفيس من باب المباهاة والفخر أو كسب التعاطف ودفع الحسد أو لشيء في نفس يعقوب.. وهو ما يعكس لامبالاة البعض بالخصوصيات وما يصح نشره وما لا يصح.
وهنا يثور سؤال مهم: إذا كانت كل نظريات الاتصال والإعلام الحديثة تجمع على تنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي خاصة مع الثورة الرقمية لعالم اليوم.. فإنه من المهم والضروري العمل على تعظيم الاستفادة من الفرص التي تتيحها وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها أهم أدوات التنشئة السياسية للشباب وتشكيل الوعي لدى النشء والشباب.. لكن ذلك يتطلب ضرورة ضبط تلك الوسائل وتنظيمها بحيث لا تتحول إلى منصات لنشر الفكر المتطرف والعنيف، أو نشر الشائعات التي تهدد استقرار مجتمعاتنا وأمنها.
ويبدو طبيعيًا في سياق كهذا أن نطرح تساؤلات مهمة: إذا كان لوسائل التواصل الاجتماعي كل هذه الأهمية فلماذا لا ندرب شبابنا على طريقة الاستخدام الآمن لمواقع التواصل الاجتماعي.. وماذا يمنع تنظيم دورات متخصصة يشرف عليها خبراء متخصصون لتنمية الوعي لدى أجيالنا الجديدة بخطورة ما تبثه تلك الوسائل من سموم فكرية وإباحية هدفها هدم القيم واستقطاب عناصر جديدة لصفوفها عبر هذا المواقع..
مواجهة الأفكار الهدامة
ثم لماذا لا تتولى وزارات التربية والتعليم والتعليم العالي والشباب والرياضة والأوقاف والأزهر الشريف بهذا الدور التنويري في المدارس والجامعات ومراكز الشباب والأوقاف.. فهي الجهات الأقرب لصياغة الفكر والوجدان والعقل وبناء الإنسان.. وتلك مهمة مجتمعية لا يستطيع طرف القيام بها وحده بل تحتاج لتضافرالجهود وتنسيق الإجراءات لإحداث التكامل المنشود عبر توظيف إمكانيات وطاقات تلك المؤسسات مجتمعة.
ومن المهم أيضًا تشديد عقوبة مروجي الشائعات التي تستهدف الأفراد والدول على حد سواء لاسيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر ويوتيوب وتيك توك وغيرها من الوسائط التكنولوجية التي لابد من توظيفها بكل همة ونشاط للتصدى للأيديولوجيات المتطرفة والأفكار الهدامة التي تستهدف النشء والشباب.
صدقوني ما أسهل توظيف التكنولوجيا في صد الهجمات الشرسة ضد بلادنا بنفس السلاح الفتاك.. الفكر بالفكر.. والحجة بالحجة.. والتكنولوجيا بالتكنولوجيا.. فلا يفت الحديد إلا الحديد.. كسب المعركة ممكن إذا صدقت النوايا واشتدت العزائم وأفلحت جهودنا في توظيف التكنولوجيا لنشر صحيح الفكر والثقافة والوعي وتحصين العقل ضد رياح التطرف والفساد.
لكل شيء في الحياة سلبياته وإيجابياته؛ ولابد من تعظيم الإيجابيات وتلافي السلبيات.. ومواقع التواصل الاجتماعي شأنها شأن كل شيء في حياتنا لها مزايا عديدة إذا أحسنا توظيفها لمعرفة ثقافات الشعوب ومعارفها وحضارتها وتجاربها في النجاح التي ينبغي استلهامها لبناء نهضتنا، وتبادل الأفكار والآراء وتقريب المسافات وفتح الأبواب لإطلاق الإبداعات والمشاريع التي تحقق الأهداف وتساعد المجتمع على النمو والتقدم.
إستخدام وسائل التواصل الاجتماعي أمر بات محتومًا في حياة الأفراد صغارا وكبارا، رجالا ونساء، ولا مفر من أن يتنبه المجتمع للمخاطر المحدقة الناجمة عن المواقع التي قد تدمر أجيالًا بأكملها؛ فمعظم النار من مستصغر الشرر.. وقد آن الأوان أن تتنادى القوى الحية في مجتمعنا لدرء مخاطر التكنولوجيا عن شبابنا وصغارنا حتى لا تتفاقم الهوة بين هؤلاء وأوطانهم وحتى لا نتركهم فريسة سائغة في أفواه أهل الشر ومن لف لفهم.. فالوقاية خير من العلاج.. ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.