إنه الحب يا سادة
تجلت المحبة الصادقة بكل معانيها والإيمان الخالص لله تعالى واليقين الكامل به تعالى في هجرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم. فها هو فتى الفتيان الإمام علي إبن أبي طالب كرم الله وجهه يقدم نفسه فداء للرسول الكريم ويبيت في فراش الرسول حتى يموه على المشركين المنتظرين بسيوفهم المسمومة لقتله عند الخروج.. وهو يعلم أن المشركين تآمروا على قتل رسول الله.. إنه الحب يا سادة..
وها هو سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه يهلل مكبرا عندما أخبره الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله بأنه قد أمر بالهجرة. فيبكي فرحا وهو يكبر ويقول (الصحبة. الصحبة. الصحبة يا رسول الله)، وهو يعلم أنها رحلة وصحبة مليئة بالمخاطر وأن مشركي قريش وفرسانهم قد عقدوا النية والعزم على تتبعهم وقتلهم. ثم يأتي بماله كله ويقدمه لخليله صلى الله عليه وسلم وهو القائل عندما أتى بماله كله من قبل وسأله النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله (ماذا تركت لعيالك). قال: تركت لهم الله ورسوله.. ثم يؤمن الرسول أثناء الرحلة وعند المبيت في الغار.. إنه الحب يا سادة.
وها هي السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما الفتاة تقبل المخاطرة وتجند نفسها بإحضار الطعام والشراب للرسول وأبيها وهي متخفية عن أعين المشركين ضاربة في صحراء موحشة مليئة بالمخاطر. من وحوش وحيات وعقارب ومن قطاع طرق. وهي لا تبالي.. إنه الحب يا سادة.
وها هو سيدنا صهيب الرومي رضي الله عنه عندما إعترضه مشركي قريش عند خروجه مهاجرا ليلحق برسول الله، ويطلبون منه أن يعطيهم ماله كله حتى يتركوه فيفعل ذلك طواعية ويعطيهم ماله كله ويقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله متجردا من متاع الدنيا. ولقد كان لصدقه وإخلاصه في هجرته ان أنزل الله تعالى فيه قرآنا بالمدح والثناء يتلى إلى يوم القيامة. ففيه نزل قوله تعالى: “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ” وعندما وصل إلى المدينة المنورة إعتقه الرسول الكريم وهو يقول له (ربح البيع. ربح البيع. ربح البيع يا صهيب). إشارة إلى بيعه للدنيا وشراءه للآخرة، إنه الحب يا سادة..
هذا وقبل قدوم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله المدينة بثلاث ليال يخرج المؤمنون من أهل المدينة المنورة على مشارفها في إنتظار تشريف النبي الكريم وإستقباله من مطلع النهار إلى آخر الليل متحملين حرارة الشمس المحرقة في الصحراء القاحلة. وعندما وصل الرسول وصاحبه ضرب بين يديه الكريمة الدفوف وتراقص الرجال وزغردت النساء فرحا وإبتهاجا بقدوم صلى الله عليه وسلم وعلى آله وهم ينشدون نشيد الحب النشيد الخالد والذي لم يكن معد من قبل. نطقوا به بالتلقائية حينما طلع عليهم سيد البرية الرسول الكريم وأشرق بنور وجهه المنير..
قالوا وهم يتراقصون فارحين أمام موكبه المبارك: (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع.. وجب الشكر علينا ما دعا لله داع.. أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع.. جئت شرفت المدينة مرحبا يا خير داع). ويتسابق أهل المدينة في الأخذ بركاب ناقة النبي حتى يحظوا بشرف إستضافته. ويقول لهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله (دعوها فإنها مأمورة).. إنه الحب يا سادة.
وبعدما آخي الرسول الكريم بين المهاجرين والأنصار كان الرجل من الأنصار يقتسم ماله وأرضه وداره وضيعته مع أخيه المهاجر بل وصل الأمر إلى أن الأنصاري الذي كان تحته أكثر من زوجة يطلق واحدة وبعد إستيفاء عدتها يزوجها لأخيه المهاجر. ومن أجل ذلك أنزل الحق عز وجل فيهم قوله تعالى: “وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.. إنه الحب يا سادة..
هذا ولقد كان لصدق المهاجرين والأنصار وإخلاصهم في إيمانهم ومحبتهم لله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله أن كرمهم الله تعالى في قرآنه وزف لهم البشرى برضاه تعالى عنهم ورضوانه. حيث قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).. وفي الختام، إنه الحب يا سادة.. وللحديث بقية