٣ رؤساء لمصر و٣ قصص ملكية وطارق حجي!
عام ٢٠١٠ أصدرت دار الشروق كتابا تاريخيا مهما بعنوان غرائب من عهد الملك فاروق وبداية الثورة المصرية.. أهم ما فيه كونه أحد كتابين حملا مذكرات آخر وزراء الداخلية قبل الثورة أحمد مرتضي المراغي، الذي كان كتابه الأول هو شاهد علي عصر فاروق.. وفي الكتابين ما يثير الفضول لقراءتهما ليس لشاهد عيان فحسب وإنما لوزير داخلية وحربية أسبق لا تحمل شهادته التشكيك وهي تختلف تماما عن حواديت قبل النوم التي تحكي من هنا وهناك لتبييض عصر الاحتلال والملكية بأي ثمن!
ما يعنينا في الكتاب المذكور فصلا بعنوان طفولة ملك، حيث يستخدم أحمد مرتضي المراغي الأبعاد النفسية وتأثيرها علي قرارات صاحبها الذي يعود لجذور نشأته ليفهم قراراته ومواقفه.. وما يعنينا أيضا من هذه النشأة ما جاء في الكتاب من العزلة التي فرضها الملك فؤاد علي نجله الملك فاروق بين مربيات أجنبيات ثلاث وبين رفض التعليم في مدارس خاصة حتي لا يختلط الملك بالمصريين! كما كان فؤاد يذكر المصريين أمام ابنه بكل سوء بل وأيضا لسعد زغلول الذي يبدو أن شعبيته بين المصريين أثارت حفيظته!
أحوال المصريين
نترك احتقار ما يسمي بملك مصر للشعب الذي يحكمه ليس بالإهانة الدائمة فحسب وإنما بعزل ابنه -الذي صار ملكا عليهم فيما بعد- عنهم! ونعود إلي يونيو عام ١٩٤٥ حينما كان أحد نواب مجلس الشيوخ نقدا إلي حد لا سابق له.. بلغ تقدمه إلي المجلس باقتراح لتحديد الملكية الزراعية في مصر!
كان النائب محمد خطاب تحدث طويلا عن أحوال المصريين وخصوصا -هو من يقول وليس الضباط الأحرار ولا نحن- الفلاحين وأوضاعهم والبؤس الذي يعيشونه!
كانت ثورة النواب ضده عارمة.. بلغت حد التجريح والإهانة حتي إن جريدة البلاغ تابعت ما جري ووصفته في عدد ٢٦ يونيو فتقول: ساد قاعة مجلس الشيوخ لغط انقلب إلى صخب ثم تحول إلى غضب وعلت الأصوات وانقلبت إلى هدير ثم تحول الهدير إلى زئير، وكان الجدل عجيبا حقا والمطلب كان أعجب يطلبون من خطاب التسليم بلا قيد ولا شرط ويطلبون للمشروع الرفض بغير كلام أو سلام وبغير نقاش أو بحث ويرون أن البلد كلها ضد المشروع!
محمد خطاب النائب المعين عن الحزب السعدي رفض النقراشي تعيينه فترشح مستقلا في عابدين فأسقطوه في الانتخابات حتي يصف بنفسه في كتاب أصدره فيما بعد بعنوان المسحراتي وأعاد طباعته عام ١٩٥٥ فيقول عن إسقاطه: شاهدت من أساليب الجرأة والفساد وتحدى الشعور العام ووطء الحرية بالأقدام ما تضاءلت إلى جانبه ذكريات الجستابو! وكان هذا رأي نائب سابق آمن بإمكانية العدل بين الناس وإنصاف فلاحي مصر بنصيب من ثروة وطنهم في العهد الذي يسمونه عهد الليبرالية المصرية!
ثم نترك الروايتين السابقتين لنختتم بما رواه عميد الأدب العربي طه حسين للإعلامية الراحلة أماني ناشد أواخر الستينيات ونضاله من أجل مجانية التعليم قبل الثورة فيقول: رد علي الأمير محمد علي واتهمني بمساعدة الشيوعيين بكلامي عن أهمية التعليم للجميع.. ثم أضاف: إن كنا سنعلم المصريين. فمن يخدمنا!
القصص الثلاثة قصدنا منها -وهي لرأس الحكم وبرلمان البلد ولقياداته- فهم العقلية التي كانت تدير مصر حتي لو شكلا.. يحتقرون شعبنا ويكرهونه.. ويرونه لا يصلح إلا للسخرة! ومع ذلك لا تنطلق الدماء في شرايين طارق حجي وغيره غيرة علي وطنهم وشعبهم.. ويتوقفون فقط بالتزوير والتزييف عند التحاق رؤساء مصر الثلاثة ناصر والسادات ومبارك بالكلية الحربية كدليل على تكافؤ الفرص قبل الثورة وهو يعلم -كما قلنا في مقال الأمس- أن لكل منهم قصة تصل إلي حدود المعجزة في الالتحاق بالكلية وإلي حدود المأساة في استكمال التعليم أصلا وفي ظروف عائلية قاسية!!
صدمتنا في نخبتنا كبيرة.. والتي ربما فسدت وربما انتهت صلاحيتها ولكن من المؤكد إنها شاخت ولا تملك قطاعات منها -قطاعات منها- إلا الخرف والهلوسة!
وللحديث بقية في معركة الدفاع عن النظام الجمهوري بالبلاد!