مو صلاح.. تاريخ يدرس!
محمد صلاح له تاريخ يستحق أن يدرّس؛ فهو من أسرة فقيرة، لم يتمكن من تحقيق حلمه في التعليم الجامعي؛ فالتحق بمعهد لاسلكي، ليصبح في بضع سنوات أسطورة عالمية محققًا إنجازات تلو إنجازات ساعيًا للمزيد والمزيد بعزم لا يلين، وتوفيق من عند الله ودعوات ملايين المصريين الذين يرون فيه أحلامهم التي لم تتحق وأحلام أبنائهم التي يتطلعون إليها بشوق جارف.
مساحة هذا المقال لا تتسع لرصد إنجازات محمد صلاح ومقومات نجاحه، لكن أهمها هو الاستقامة والانضباط الشديد اللذين تعهدهما مو صلاح في نفسه ملتزما بأعلى درجات المهنية وحسن الخلق.. هكذا قال عنه د.محمد المهدي أستاذ علم النفس بجامعة الأزهر، محللا شخصيته؛ فعلى الرغم من نجاحاته المبهرة وعبقريته الكروية العظيمة وشهرته ونجوميته وكاريزمته فإنه لم ينجرف فيما انجرف فيه أقرانه؛ فلديه حالة ثبات عجيبة أمام إغراءات وإغواءات الشهرة والنجومية ولديه موقف متواضع في كبرياء، متحديًا كل إغراءات الغرور وانتفاخ الذات.. وهذه عبقرية أخرى تضاف إلى عبقرية الكرة.
عبقرية محمد صلاح
ورغم احتراف مو صلاح في إنجلترا وبريق المال والشهرة لكنه لا يستنكف النزول لمسقط رأسه ومشاركة أبناء قريته أفراحهم وأتراحهم، كما أنه يواظب على الصلاة وقراءة القرآن متمتعًا –كما يقول المهدي- بجملة عبقريات على مستويات نفسية متعددة، من بينها عبقريته الأخلاقية وعبقرية الوقت التي تتجلى في انطلاقاته السريعة جدًا منذ كان طفلًا يلعب الكرة في قريته الصغيرة بطريقة مارادونية خطفت إعجاب المحيطين، ثم في نادى المقاولين ومنه لأكبر أندية أوروبا.
وقد رأينا كيف تمسك به ليفربول وجدد له 3 سنوات مقبلة براتب أسبوعي هو الأكبر في ناديه.. ويتمتع محمد صلاح بعبقرية أسرية تتجلى في استقراره الأسري الذي عصمه من انزلاقات ونزوات غرق فيها غيره، ناهيك عن قوة انتمائه لعائلة ريفية بسيطة واعتزازه بذلك الانتماء والارتباط الشديد بزوجته وابنتيه وأسرته وقريته ووطنه الذي لم يشغله عنه دوائر عالمية تتسع يومًا بعد يوم بملايين المعجبين والمعجبات الذين يتشوقون إلى نظرة منه.
جانب آخر من عبقرية محمد صلاح يتجسد في بعده عن الصراعات التي تبدد الطاقات فلا هو دخل في حوارات ومنازعات وخلافات واستقطابات مجهدة فليس لديه وقت يضيعه ولا طاقة يبددها بل حافظ على كل وحدة طاقة وكل وحدة زمن ليندفع كل يوم ليحقق تميزًا جديدًا يرتقي به لمستويات أعلى وغير مسبوقة في الأداء.
كما تحاشى صلاح الوقوع في شراك الاستقطابات السياسية أو الدينية، مستفيدًا من دروس نجوم سبقوه؛ فنأى بنفسه عن أي تصريحات أو سلوكيات تجعله محسوبًا على أي تيار سياسي أو ديني بعينه؛ ليظل محبوبًا ومقبولًا من الجميع وعلى مسافة واحدة من الجميع.
ومن مميزات محمد صلاح أنه حافظ على صحته؛ فهو يهتم بكل تفاصيل حالته الصحية؛ فلا يسهر ولا يدخن ولا يتعاطى أي شيء يؤثر في سلامته النفسية والجسدية، وليس لديه أي علاقات جانبية تستنزف طاقته النفسية أو الجسدية أو تشتت وعيه أو تشوش انتباهه وتركيزه وهو ما جعله في حالة تركيز دائمة تنعكس على سرعته الفائقة في الملعب وقوة إدراكه وحسن تصرفه في المواقف الصعبة وانتهازه الفرص وتسديده بقوة ودقة فائقة على المرمى. ومن ثم لم يكن غريبًا أن يفوز مو صلاح بالكرة الذهبية كأحسن لاعب في إنجلترا لثلاث مرات.