ماذا ينتظرون !
ليت دولنا تستلهم سيرة النبي الكريم وتقتفي أثره في استثمار الحج كمناسبة جامعة لتدارس أحوال المسلمين وشئونهم وقضاياهم وهمومهم، فهو فرصة طبيعية للتفاعل والتقارب والتمازج والألفة.. فإذا كان الحجيج قد أتوا من كل فج عميق ليؤدوا نسكا واحدة في مكان واحد وفي توقيت واحد فأولى بدولهم أن تزيل ما بينها من خلافات وتتكامل فيما بينها حتى تصبح قوة يُعمل لها ألف حساب.. فكيف تتباعد وتتقاطع مواقفهم بينما همومهم واحدة وقضاياهم واحدة وعدوهم واحد..
أليس الاتحاد والاعتصام بحبل الله المتين في ظل عواصف عالمية عاتية تهب عليهم من كل جانب فريضة واجبة.. أليس الإرهاب الملتحف زورًا وبهتانًا بالإسلام ينهش في استقرارهم جميعًا ويهدد حاضرهم ومستقبلهم.. أليس الاستعمار الجديد يتحين الفرصة ويسعى حثيثًا لالتهام مقومات وجودهم جميعًا؛ ألم تستخدم القوى الطامعة فيهم هذا التيار لتفتيت جبهتم الداخلية واستهداف أركان دولهم واحدة بعد الأخرى بلا هوادة ولا رحمة.. أليست أزماتهم وتحدياتهم وشواغلهم واحدة..
تكرار الحج والعمرة
ألا تهددهم جميعًا أخطار التقسيم والتمزيق وتتربص بهم الدوائر وتتحين لحظة ضعف تنتابهم لتضربهم بقوة وتعصف بما تبقى لهم من مقاومة وصمود ووجود.. فماذا ينتظرون حتى يتوحدوا ويتكاملوا اقتصاديًا في مواجهة الفقر والتخلف والفهم المغلوط لمقاصد الدين الحنيف الذي شوه صورته بعض بني جلدتهم كما شوهوا صورة المسلمين بما اقترفوه باسم الإسلام من جرائم وآثام يندى لها الجبين.. والإسلام منهم براء.
لسنا في حاجة للقول إن ما يمر به عالمنا من ظروف قاسية تحتم ضرورة التآلف والوحدة بين دولنا العربية حتى نستطيع مواجهتها والإفلات من عواقبها الوخيمة ولعل الحج مناسبة لاستلهام انتصارات أمتنا وروح شريعتنا في الاعتصام ونصرة بعضنا بعضًا فتلك ضرورة من أوجب واجبات العصر.
ولعل الحج مناسبة سنوية يتجدد معها سؤال كنا نطرحه قبل كورونا، ومازلنا نبحث دون جدوى عن إجابة قاطعة له، وهو في ظروفنا الحالية أوجب: هل تكرار الحج والعمرة يمحو الذنوب والخطايا إذا تكرر اقترافها.. وإذا كان الحج فريضة واجبة لمرة واحدة في العمر متى توفر للمكلف بها شرطا الاستطاعة ماليًا وبدنيًا لقوله تعالى "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ"..
فلماذا الإصرار والتسابق على تكرار الحج والعمرة في مثل تلك الظروف الاقتصادية الصعبة.. أليست مصلحة المجتمع في إنفاق المال على سبل النفع العام.. فكيف يبيت المؤمن شبعانَ وجاره جائع.. وكيف تقر أعين الموسرين والقادرين وهم يكررون حجهم وعمرتهم بينما في بلدهم ملايين المرضي يحتاجون لعلاج يخفف آلامهم ويرحم أوجاعهم.. ولا يجد آلاف الطلاب أماكن مناسبة في مدارسهم ناهيك عن آلاف المحتاجين الذين لا يجدون ما ينفقون.