عيد العنصرة (1)
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية غدا الأحد بعيد ميلادها التاريخى والمجيد، أى عيد حلول الروح القدس على التلاميذ ويسمى هذا عيد العنصرة.. وكلمة العنصرة هى من اللغة العبرية، أصل الكلمة هو عسار ومنها عسريت التى جاءت منها كلمة العنصرة التى تعنى محفل أو إجتماع أو جمع، وكان اليهود يحتفلون بعيد الخمسين "تذكارًا لنزول الشريعة عليهم في جبل سيناء" من الوحى الإلهى لموسى النبى..
وعيد العنصرة عند اليهود هو عيد الأسابيع أو عيد الحصاد (اللاويين 16:23).. هكذا الكنيسة استعارات هذه الكلمة العنصرة التى تعنى الجمع أو المحفل، وأطلقتها على يوم حلول الروح القدس على التلاميذ، لأنهم كانوا مجتمعون فى علية صيهون وعلى رأسهم القديسة العذراء مريم، بعد خمسين يومًا من قيامة الرب يسوع المسيح له المجد، وأطلقت كلمة العنصرة على صوم الآباء الرسل الأطهار القديسين، وسمى بصوم العنصرة حتى أن أجتمع المجمع المسكونى الأول بنيقية سنة 325 م وكتب المجمع المقدس المرسوم بتغير المسمى من صوم العنصرة إلى صوم الآباء الرسل وهذا تكريمًا لهم لأنهم رعاة المسكونة والكرازة فى العالم كله..
بدأت الكنيسة بداية قوية في يوم الخمسين، وكان عملها الأساسى هو الكرازة باسم يسوع المسيح ابن الله المتجسد الحى ملك الملوك ورب الأرباب. قبل صعوده إلى السماء، حدد لرسله القديسين الأطهار رسالتهم وهى الشهادة له.. فقال لهم "لكنكم ستنالون قوة من الأعالى، متى حل الروح القدس عليكم، وتكونون لى شهودًا فى أورشليم وفى كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض" (أعمال الرسل 8:1).
والقديس متى يذكر قول السيد المسيح لتلاميذه "فأذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم بأسم الآب والأبن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا ما أوصيتكم به، وها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر " ( متى 19:28-20 ).
والقديس مرقس الرسول يذكر وصية السيد المسيح لتلاميذه حينما قال لهم "اذهبوا إلى العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها، من آمن وأعتمد خلص، ومن لم يؤمن يدن" (مر 16:16). أنها الوصية الكبرى التى بها حدد السيد المسيح رسالة الرسل ورسالة الكنيسة الأساسية وهى الكرازة والشهادة له.
طاعة الله
فى يوم الخمسين ألقى القديس بطرس الرسول عظة عظيمة للشعب وكانت عظته خالدة، وكانت النتيجة ايجابية: "فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضم فى ذلك اليوم ثلاث آلاف نفس" (أعمال الرسل 41:2). ثم يقول لنا سفر أعمال الرسل وصف جميل لحياة الكنيسة الأولى: “القوة فى إيمانها ووحدانية الروح وحياة الشركة والعبادة التى تمتع بها أبناؤها” ( أع 42:2-47). ثم يذكر صفة أساسية فى حياة كنيسة الرسل وهى: "كان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون" ( أع 47: ).
أى أن العمل الكرازى كان عملًا مستمرًا له ثمره اليومى فى حياة الكنيسة.. مثالًا للعجائب والآيات الكثيرة التى تجرى على أيدى الرسل.. يذكر قصة شفاء الإنسان الأعرج من بطن أمه والذى أقامه بطرس ويوحنا (أع 1:3-10). وكيف أن بطرس الرسول انتهر الأثر المدهش الذى تركته المعجزة في نفوس الشعب ليحدثهم عن يسوع المسيح رئيس الحياة الذى صلبوه ويدعوهم قائلًا: "توبوا وأرجعوا لتمحى خطاياكم لكى تأتى أوقات الفرج من وجه الرب" ( أع 19:3 ).
وفى هذا السفر المقدس نرى أن العمل الكرازى لم يكن بلا مقاومة، بل ظهرت مقاومة خارجية عنيفة أدت إلى سفك دم، أول شهداء المسيحية فى عصر الرسل، القديس اسطفانوس.
ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس:
أثار نجاح الآباء الرسل فى عملهم الكرازى ثائرة رؤساء الكهنة والكتبة ورؤساء اليهود، وخاصة ان كلمة الله كانت تنمو وعدد التلاميذ يتكاثر جدًا بطريقة عجيبة فى أورشليم، وجمهور كثيرة من الكهنة يطيعون الإيمان (أع 7:6). صارت للرسل مكانة عظيمة جدًا، وكان الشعب يعظمهم ( أع 13:5). الأمر الذى آثار خوف قادة اليهود ورؤساء الكهنة، لأنهم كانوا يخافون من الشعب لئلا يرجمهم أن فعلو شيئًا ضد الرسل ( أع 26:5).
لقد إعترف رئيس الكهنة بنجاح العمل الكرازى حينما قال لهم "ها أنتم قد ملأتهم أورشليم بتعليمكم وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان" فلجأ رؤساء الكهنة والكتبة وقادة الشعب إلى عدة أساليب لمقاومة العمل الكرازى للآباء الرسل.ي. ومن هذا نرى أن عمل الرسل الكرازى أثار رؤساء الكهنة والشعب، وكان الرسولان بطرس ويوحنا لهما دور قيادى في العمل الكرازى، لذلك ركز رؤساء اليهود عليهما أولًا: فالقوا عليهما الأيادى ووضعوهما في الحبس، وقدموهما للمحاكمة، وهددوهما أن لا ينطقا البتة، ولا يعلما بإسم يسوع المسيح، لكنهما جاهرًا بالشهادة للمسيح..
ولما أطلقا آتيًا إلى رفقائهما وأخبراهم بكل ما قاله لهما رؤساء كهنة اليهود والشيوخ، ولم ينقسم الرسل ولم يترددوا في الصمود أمام التهديد والإستمرار في العمل الكرازى، بل كان الرد هو الصلاة بنفس واحدة، فتزعزع المكان الذى كانوا مجتمعين فيه وامتلأ الجميع من الروح القدس، وكانوا يتكلمون بكلام الله بمجاهرة. ( أع 31:4). لجأ رؤساء اليهود بعد ذلك إلى حبس الرسل كلهم. ولكن ملاك الرب أخرجهم، فأحضروهم للمحاكمة فأصروا على الاستمرار فى شهادتهم للمسيح، فتشاوروا لقتلهم ثم انتهى الأمر بأنهم جلدوهم ثم أطلقوهم.
نكمل غدا