رئيس التحرير
عصام كامل

رحلة العائلة المقدسة إلى أرض مصر (2)

يرجع تاريخ مجئ السيد المسيح المتجسد لمصر وهو طفل وقت الهروب وكان عمره سنتين كما يذكر لنا الكتاب المقدس، كان يوافق 4 ق.م لتأسيس مدينة روما..  ولو كان الأمر مجرد هروبًا، لكانت دول أخرى هي الأقرب، ولكن السيد المسيح أصر على مصر بالذات.. لماذا؟ مصر باركها كثير من الآباء وكانت ملاذا لهم وحصنا احتموا فيه، جاءها إبراهيم أبو الآباء مع محبوبته سارة (تك 12). 

 

وجاءها يوسف الصديق وكان له من العمر 17 عامًا وعاش فيها وصار وزيرًا ومات وله من العمر 110 سنة. وجاءها موسى النبى مولودًا على أرضاها وعاش ومات فيها بل وحمل اسمًا مصريًا (موسى المنتشل من الماء). وجاءها يعقوب وله من العمر 130 عامًا ومات فيها وقد بلغ من العمر عند وفاته بمصر 147 سنة أى سكن فيها 17 عامًا..  وليذكر التاريخ أن أنبياء كثيرين عاشوا وماتوا في مصر مثل دانيال النبى وحزقيال النبى وآرميا النبى.


يعتقد الباحثون أن العائلة المقدسة أنفقت مصاريف الرحلة من الكنوز التى قدمت للطفل يسوع المسيح عند ولادته من المجوس الثلاث من الذهب ومن أموال يوسف النجار الخاصة به.. استغرقت العائلة المقدسة أياما طويلة حوالى 119 يومًا تقريبًا أى نحو أربعة أشهر من المغادرة من أورشليم حتى وصولهم إلى فيبستة أو تل بسطة وكانت رحلة شاقة جدًا بالسير على الأقدام ومرات بالركوب (على حمار) ومرات بالمراكب النيلية.. 

مباركة شعب مصر

 

فقد اجتازت العائلة المقدسة برارى ووديانًا وجبال وصحارى وعرة وتحملت البرد والحر والأمطار، وتقابلت مع وحوش وحيوانات مفترسة وشوك الأرض وجبال ومرتفعات، وتقابلت مع عصابات طرق حتى وصلوا إلى مصر، وقطعت الرحلة مسافة 3500 كم تقريبًا  مرورًا من منطقة التحرك من رفح إلى منطقة بسطليون المعروفة حاليًا بالشيخ زويد بشمال سيناء ومنها للعريش ثم الفرما ثم نزلت على آخر فرع في النيل ثم إلى تل بسطا "أرض حاسان".. 

 

ومنها إلى منية سمنود وبلقاس وسط الدلتا ثم إلى سخا ومن هذه المحطة رجعت العائلة إلى مدينة المطرية وعين شمس مرورًا بمنطقة الزيتون ثم حارة زويلة ومصر القديمة والأزبكية مرورًا بالجيزة ثم سمالوط بجبل الطير وأنصنا والأشمونين والقوصية ومير والدير المحرق ثم إلى درنكة بأسيوط ثم عادت العائلة المقدسة إلى مدينة الناصرة بفلسطين بعد بشارة الملاك ليوسف بالعودة..  حيث سلكت العائلة المقدسة فى طريق العودة طريقًا آخر غير طريق وصولهم لمصر.
 

مرت العائلة المقدسة في 31 محطة موزعين بين 5 مناطق جغرافية فى 12 محافظة في مصر من أول  شمال سيناء التى بها 6 نقاط أو محطات للمسار. والدلتا بها 4 نقاط، ووادى النطرون بها 4 نقاط، القاهرة والفسطاط بهما 7 نقاط، وجنوب الوادى (الصعيد) 7 نقاط.. وهنا سؤال يطرح نفسه وقد يتبادر فى ذهن الكثيرين: هل يهرب السيد المسيح له العظمة والمجد من وجه هيردوس الملك؟ وهل يعجز لاهوته عن حمايته؟ هل يخاف المسيح وقتها من الموت؟ هل ضعف بشريًا؟ فما هى الأسباب؟
 

الإجابة: حاشا.. فقد كان بسلطان لاهوته قادرًا على أن ألا يرونه أو يمسونه بسوء وقد مر في حياته بمواقف حاول اليهود فيها الإمساك به وطرحه من قمة الجبل ولكنه مر في وسطهم ومضى (لو 28:4-30) ويذكر التاريخ محاولتهم رجمه بالحجارة ولكنه اجتاز وسطهم ومضى (يوحنا 59:8). ولكن جاء  ليبارك أهل مصر بوجوده بينهم فتتم جميع النبوءات الخاصة بمجىيئه لمصر، ولكن الهروب كان له سبب آخر!  

 

الله  قصد أن يعلم البشرية فضيلة الهروب من وجه الشر..  فقال لا تقابل الشر بالشر بل اغلب الشر بالخير، ولا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء، بل اعطوا مكانًا للغضب لأنه مكتوب "لى النقمة أنا أجازى يقول الرب" ( رو19:12 )، وكما قال أيضا “صلوا لأجل الذين يسيئون اليكم، وباركوا لأعنيكم، وأحسنوا لمبيغضيكم، ولاترد شتيمة بشتيمة بل بالعكس مباركين، عالمين أنكم لهذا دعيتم لكى ترثوا بركة” (ابط 9:3)  ولاتقاوموا الشر بالشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر (متى 39:5). غير مجازين الخطأ بخطًا آخر متقابلش الشر بالشر، أتعامل مع الناس بالخير اللى فيك، مهما الخير ده أتقابل بالشر، حب الكل، وخاف على الكل، خليك مصدر فرحة وبهجة لكل اللى حواليك، "مبارك شعبى مصر". وكل عام وشعب مصر المبارك بخير وسلام ومحبة.

الجريدة الرسمية