رئيس التحرير
عصام كامل

ابن تيمية.. المُفترى عليه!!

عن جهل شديد وبسوء نية واضحة للعيان.. يتعرض عدد كبير من علماء الإسلام المتقدمين للتجريح والتشويه. وفي زمن أصبحت منصات التواصل الاجتماعي فيه هي الرافد الأبرز للمعلومات عند قطاع كبير من الناس الذين لا يطيقون العودة إلى المراجع والمصادر الدقيقة لتصويب أفكارهم وقناعاتهم، فإن هناك حقائق قد تشوهت وحان وقت تصحيحها، وعلماء أكابر قد أهينوا وحان وقت رد اعتبارهم. وربما يكون ابن تيمية واحدًا من هؤلاء العلماء المُفترى عليهم ظلمًا وزورًا وبهتانًا عظيمًا..

 

فما أكثر المرات التي تعرض فيها الرجل لأقسى صور الإهانة من بعض أدعياء العلم والمعرفة رغم أنهم يعلمون أنهم يحلفون على الكذب. الإمام تقي الدين أبو العباس المعروف بـ ابن تيمية، الذي عاش بين عامي 1263 -1328 ميلاديًا، يحظى  بنصيب وافر من الاتهامات المُلفقة التي يروجها المُرجفون في المدينة ومَن يكرهون الإسلام بالسليقة، وأبرز هذه الاتهامات وصمه بالإرهاب والتطرف.

 

عالم شجاع

ولو كان ابن تيمية متطرفًا متشددًا مُغاليًا لما اجتمع أكثر من 80 عالمًا رفيع القدر والمقام على أن الرجل يستحق لقب شيخ الإسلام عن جدارة واستحقاق. ولو كان ابن تيمية ضعيف القدر والمكانة لما بقيت سيرته خالدة بعد وفاته بأكثر من ثمانية قرون.


كان ابن تيمية عالمًا شجاعًا يصدع بكلمة الحق ويواجه خصومه بالحجة والبرهان. وكان خصومه يواجهونه من ضعفهم وهوانهم وتهافت منطقهم بالكذب والبهتان وتأليب السلطة عليه حتى سُجن مراتٍ عدة.


لو طوينا صفحات الماضي الغابر والماضي القريب بما تحمله من أكاذيب وأباطيل وأراجيف بحق ابن تيمية، فإنَّ منصَّات التواصل الاجتماعي تسلمت راية الهجوم على الرجل ولا تزال تعمل على تجريحه وتشويهه، سواء عن عن جهل أو عن سوء نية. الناشطون الألكترونيون المغرضون يتهمون ابن تيمية، فيما يتهمونه، بأنه كان يفتي بتكفير وقتل المسلمين بسبب تصرفات لا تستحق التكفير والقتل، وهذا كذب بواح وتدليس صارخ، شهدت به المجامع الفقهية الراسخة.


ومما يؤكد بطلان هذا الافتراء والبهتان على إبن تيمية، أنه يكفّر ويقتل على أفعال لا تستحق ذلك، أن أنصار ومتّبعي ابن تيميةفي العالم اليوم بالملايين وفي مختلف أنحاء العالم، ومع ذلك لا وجود لمثل هذا التكفير والقتل في ثقافة هذه الملايين ممن تتبع اجتهادات ابن تيميةونهل من كتبه وعلومه، وهي متعددة وكثيرة جدًا.

منطق ابن تيمية


وبعيدًا عن غوغائية الهجوم على ابن تيمية عبر الفضاءات المختلفة.. فإنَّ هناك كتابات كثيرة ومتعددة أنصفت الرجل وردت إليه اعتباره وأظهرته مفكرًا وفيلسوفًا من طراز فريد قلَّ نظيره وندر شبيهه بين علماء ومفكري الإسلام.


في كتابه: المفكرون المسلمون في مواجهة المنطق اليوناني.. يقول المفكر الإسلامي مصطفى طباطبائي: "إنَّ القراء الكرام إذا رجعوا إلى فصل نقد ابن تيمية لمنطق أرسطو في هذا الكتاب سيلاحظون في نقد ابن تيميةعن المنطق جميع آراء ستيوارت مل التي ذكرها قبله بخمسة قرون". أما المفكر العراقي علي الوردي فذكر في كتابه منطق ابن خلدون: "وصل نقد المنطق على يد ابن تيمية إلى القمة".

 

أما محمد إقبال فقال: "كان ابن تيمية أول من قام بتفنيد المنطق الأرسطيّ تفنيدًا مُنظمًا في كتابه: "نقد المنطق". وفي كتابه: "مناهج البحث" كتب الدكتور سامي النشار: "ترك ابن تيميةبما كتبه عن المنطق تراثًا علميًا لا يُقدَّر، وقام بمحاولة لا تجد لها شبيهًا في تاريخ العصور الوسطى". فيما كتب الشيخ مصطفى عبد الرزاق: "إنَّ الدراسات المنطقية لو سارتْ منذ عهد ابن تيميةعلى نهجه في النقد بدل الشرح والتعمق؛ لكنا بلغنا بها من الرقي مبلغًا عظيمًا، هذا هو التراث المنطقي التيمي".

 

وتضم قائمة الكتب المنصفة لـ ابن تيميةأيضًا: كتاب: "هكذا تحدث إبن تيمية" للدكتور عائض الدوسري، و"ابن تيمية المجتهد بين أحكام الفقهاء وحاجات المجتمع" لعمر فروخ.. واترك القوس مفتوحًا. أمَّا شيخ الأزهر الشريف الأسبق الشيخ محمد أبو زهرة فقال عن ابن تيمية تعبيرًا لمنزلته العلمية الرفيعة: "القوانين المصرية في الزواج والوصية والوقف وهي في القانون رقم  25 لسنة 1929 مأخوذة من آراء ابن تيمية، مُقتبسة من اختياراته، وشروط الواقفين والوصايا اقتبست أحكامها في قانوني: الوقف والوصية من أقواله، وآراؤه لم تعمل في مصر وحدها، بل في الدول العربية والإسلامية".

 


هذا هو ابن تيمية المُفترى عليه، مثل كثير من علماء الإسلام الأكابر، حيث يجد بعض صغار الفكر والعقل والضمير في الهجوم عليهم إرضاءً لنفوسهم الأمَّارة بالسوء والكراهية لكل ما هو إسلامي. لقد حان الوقت للعمل على إنصاف ابن تيمية وأقرانه من علماء الإسلام المتقدمين من كل ما يطالهم من افتراءات؛ حتى تعلم الناشئة مكانتهم وأقدارهم ولا نتركهم فريسة لغربان وخفافيش وشياطين الجهل يشكلون عقولهم بطريقتهم غير المثُلى.
 

الجريدة الرسمية