تراحموا
اشترك على إحدى صفحات شركات نقل الأفراد، وتتميز محتويات تلك الصفحة بمواقف تحدث للسائقين، أو أمورا تتعلق بأسعار الخدمات وكل ما يهم رواد ومتابعي تلك الصفحة. صدمت من منشور كُتب على الصفحة، إلا أن كم الردود الايجابية التي عنفت السائق عالجت صدمتى، إذ أشعرته بسوء ما سطر، وحثه على ضرورة الاستحياء من سرد أمر خارج عن إرادة أحدهم، شاءت الأقدار أن يوضع فيه وهو موقف ندعو الله جميعا ألا نمر به فى الشارع أو خارج منازلنا، إذ توعكت معدة راكب فجأة وكان طلب تلك الخدمة هو وسيلة ستره الوحيدة.
يروي السائق الذي لم ينس أن يصب جام غضبه ولعناته على الركاب وعلى تلك المهنة وعلى متابعي الصفحة أيضا: "ياجماعة عميل ركب معايا و"كان مستخبي وراء شجرة"، وأول ما وصلت إليه لقيته "نط" وركب جنبي، وطول الطريق شامم ريحة وحشة، ولما نزل من العربية لقيته،......، (فيما معناه ان الراكب لم يكن قادرا على أن يتحكم فى حركة أمعائه وتبرز في السيارة).
يكمل السائق:" الراجل بهدل لي العربية وكان يوم ما يعلم بيه إلا ربنا، وكرهني في عيشتي ومشواره كله معملش 35 جنيه على بعض، حسبنا الله ونعم الوكيل ضيع يومي منه لله، اللى هيقولى غصب عنه هاقوله أرحم.... أمي ياعم".
فضيلة التراحم
انتهى كلام السائق، ثم انهالت عليه التعليقات، ما بين قليل ساخر من الأمر برمته ومن الراكب أيضا، وما بين كثير جدا ناصح للسائق ولغيره بتقوى الله واحتساب الأجر والثواب عنده. وانتقيت من التعليقات من لخص الرد الأمثل على كلام السائق بالقول:" لا حول ولا قوة إلا بالله ممكن الظرف ده يحصل لك إنت وما تقدرش تمسك نفسك، وساعتها هاتقول يارب حد يوصلني لحد البيت من غير ما أتفضح، إستر على الناس عشان ربنا يستر عليك ويستر طريقك، وبعدين دى حاجة خارجة عن إرادة الانسان، إتق الله".
لو فكر هذا السائق لدقائق قبل الكتابة، أن هذا الراكب حدث له أمر طارئ للغاية، وكلنا معرضون له في الشارع أو المواصلات العامة، ومنا من يحاول التصرف سريعا، ومنا من لا يجيد التصرف وقد تزداد معاناته، وبالتالي يكون كل ما يشغل عقله، ستر نفسه فقط بأي طريقة حتى يصل إلى منزله، ولم يجد سوى تلك الوسيلة مع ما بها من بالغ الحرج له، حتى يصل مستورا.
لازلنا في أشد الاحتياج إلى إعمال مبدأ التراحم الأصيل فيما بيننا، مبدأ إلتماس الأعذار والستر، نحتاج أن نضع أنفسنا ولو للحظة محل الأشخاص، قبل أن تحتد ألسنتنا بعبارات السخرية والسب والشماتة، في موقف لا إرادى حدث لشخص مسكين لم تسعفه ظروفه الصحية وشاءت الأقدار أن تضعه في طريق هذا السائق المتذمر.
وأنا أكن بالغ الاحترام والتقدير لتلك المهنة الصعبة وأصحابها، فمنهم الكثير من يتحلى بالشهامة والجدعنة، أقول لهذا السائق: كما تقولون في مصطلحات مهنتكم، إنكم تسيرون على هواء، وتحتاجون إلى عناية الله ولطفه بكم فى كل طريق، فمن باب أولى أيضا أن تلتمسه للناس، حتى تطلبه من الله، فنظرة لطف ورحمة فيما بيننا، وحتما ستسري تلك الفضيلة في أوصال المجتمع، تراحموا ترحموا وتؤجروا وترزقوا.