رئيس التحرير
عصام كامل

السهام النافذة

منذ أعوام، كنت أراجع مع أحد البائعين، بعض الأغراض التي اشتريتها منه، ووجدت بها بعض العيوب. تصاعد الجدل بينى وبين عم سيد، وكان رجلا مهذبا في الرد، وانتهزت تلك الفرصة لكي ترتفع نبرة صوتى عليه بالتعنيف واللوم والتقريع المبالغ فيه، وهو ما لا أقدر على فعله بالطبع مع أي شقي من الأشقياء في حينا الشعبي.


عنفت عم سيد، وغادرت متجره منتشيا بما فعلت، صعدت إلى منزلي، جلست قليلا، ثم دارت عجلة التفكير ولوم النفس: "ماذا لو نام عم سيد مكظوما منك ولم يستيقظ؟"، " كيف تجروء على الانفعال على من هو أكبر منك سنا بلا أي داعي؟"، "كيف استغللت طيبته وتجاوزت عليه، وانت لا تقدر علي فعل ذلك مع قسوة أحدهم؟"، ووجدت الاجابة سريعا:  "تبا لك".

إعتذار وعفو


مصعد العقار معطل، "هل تهبط تلك الأدوار الثمانية مرة أخرى، كي تسترضيه وتطلب منه الصفح؟"، سألت نفسي وقبل أن أجيب ارتديت ملابسي، وعلى الفور كنت في الشارع. شاهدني مقبلا عليه، كان متجره يعج بالزبائن، لم أكترث مطلقا بوجودهم، ظن أننى أريد إكمال حلقة الشجار والتعنيف معه، مددت يدي إليه بالمصافحة، أخذت رأسه بغتة مقبلا إياها: "سامحنى يا عم سيد ولا تغضب مني أنا آسف بشدة لقد انفعلت بلا داعي وأرجو ان تلتمس لي العذر".


ربت على كتفي قائلا: "حصل خير ربنا يكرمك ولا يهمك"، غادرت المتجر منتشيا هذه المرة بما فعلت من طلب العفو منه، وتيقنى أننى محوت ماعلق من أثر سيئ في نفس الرجل بسببي، ومنذ يومها أصبحت صديقا له لا أشتري إلا منه.


استدعيت هذا وأنا أقرأ بألم عن حادث وفاة عقار حارس عقار بمدينة الفيوم، بعد أن وبخه أحد السكان وسبه، لرفض الحارس استخدام هذا الساكن مصعد العقار فى تحميل اشياء ثقيلة قد تضر بسلامة المصعد وتتلفه.

 


بكى الحارس حسرة على نفسه، تصبب عرقا، ثم سقط أمام الجميع مغشيا عليه، ثم فاضت روحه إلى خالقها في غضون دقائق، لم يتحمل الإهانة، شق سهم الكلمات الجارحة العنيفة نياط قلبه، وذهبت روحه تشكو إلى ربها ظلم الانسان لأخيه الانسان واستقواءه عليه.
إن أسأت فأطلب عفوا وغفرانا، وإن قهرت فطيب خاطرا، لا تترك مكبوتا مكروبا مهموما من وقع كلماتك، فرب سهم جارح ينفذ، ويودي بالحياة في غمضة عين.

الجريدة الرسمية