يوروفيجن مسيسة
تجيد إدارات الولايات المتحدة المتعاقبة إثارة الفتن وإشعال الحروب بين الدول، لتحقيق مآربها في السيطرة كقطب واحد يتحكم في العالم، لذا تطيل أمد الحرب في أوكرانيا، لاستنزاف روسيا عسكريا واقتصاديا حتى تفقد القدرة على زيادة نفوذها ومنافستها عالميًا، وفي الوقت ذاته تحرض أوروبا والدول الأعضاء في ناتو على تطويق روسيا والتمدد على حدودها، وتشجع أوكرانيا على المواجهة العسكرية وتمدها بالمعلومات والسلاح ضمانا لعدم انتهاء الحرب.
لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل شجعت السويد وفنلندا على إنهاء حيادهما العسكري القائم منذ 75 عامًا والانضمام إلى ناتو ما من شأنه تأجيج الحرب وتوسعها، لأن دخولهما الحلف سيغير خريطة أوروبا جغرافيا واقتصاديا وعسكريا، ويزيد نفوذ الولايات المتحدة ويهدد بشكل مباشر الأمن القومي الروسي، حيث يضاعف الحدود المشتركة بين روسيا ودول ناتو من 710 كيلومتر إلى نحو 1930 كيلو متر، كما ستصبح فنلندا، التي تتشارك حدودها مع روسيا، سادس عضو بالحلف العسكري يشترك في حدود برية مع موسكو، ما يمثل تطويقًا أوسع لروسيا وتهديدا أكبر لأمنها القومي..
وقد تكون الخطوة استفزازا لروسيا حتى تدافع عن نفسها بعملية عسكرية في فنلندا بموازاة حربها مع أوكرانيا، وفي هذه الحالة سيتدخل "ناتو" دفاعا عن الأعضاء الجدد وتصبح حربًا عالمية ثالثة، خصوصا بعدما توعدت روسيا بالانتقام ونقل أسلحة نووية إلى أقرب موقع من أوروبا، إلى جانب إيقافها إمدادات الكهرباء إلى فنلندا، لكن مؤكد أن الرئيس بوتين لن يغامر بفتح جبهة عسكرية جديدة رغم الاستفزاز، كونه لم يحسم حرب أوكرانيا بعد.
لا يتوقف إسناد ودعم ناتو لأوكرانيا، حتى أنه أصبح شعبيًا ودخل الفن على الخط وجرى تسييس مسابقة يوروفيجن الغنائية، التي تنقل مباشرة لأكثر من 40 دولة ويشاهدها نحو 200 مليون حول العالم، حيث شهد الحفل الختامي تتويج أوكرانيا باللقب، وتجلت فيه ازدواجية معايير الغرب في التعامل وفقا لمصالحه وأهدافه.
رسائل سياسية
تفوقت أوكرانيا في يوروفيجن المقامة في إيطاليا، على بريطانيا وإسبانيا، بفضل تصويت المشاهدين الذين اختاروا أغنية ستيفانيا للفرقة الأوكرانية كالوش أوركسترا، وهي تمزج بين الهيب هوب والموسيقى التقليدية، والأغنية الفائزة ذات مغزى خاص في ظل الحرب القائمة، حيث تقول في جزء منها "سأجد طريق المنزل حتى لو كانت كل الطرق مدمرة". كما نال أعضاء الفرقة الستة إعفاء خاص من الحكومة الأوكرانية، يسمح لهم بالسفر للمشاركة في المسابقة على أن ينضموا إلى المعارك بعد انتهاء يوروفيجن.
ويعتبر هذا التتويج الثالث لأوكرانيا في المسابقة الأوروبية الأشهر، حيث فازت باللقب في 2004، ثم في 2016 بعد عامين من ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، بأغنية "1944" للمتسابقة جمالا، عن ترحيل ستالين للتتار. وضح الدعم الأوروبي الشعبي خلال الحفلات نصف النهائية والنهائية المقامة في مدينة تورينو الإيطالية، مع انتشار كثيف للأعلام الأوكرانية رغم مشاركة 25 دولة.
ومع تتويج فرقة كالوش أوركسترا، وجه مغني الفرقة أوليه سيوك كلمة سياسية للجمهور، رغم علمه أن ذلك محظورا، وقال: "أرجوكم ساعدوا أوكرانيا وماريوبول.. ساعدوا أزوفستال، هذا النصر مهم جدا لأوكرانيا حاليا، نشكركم من الأعماق.. المجد لأوكرانيا".
الأغرب أن اتحاد البث الأوروبي، منظم المسابقة، والذي يمنع توجيه رسائل سياسية، لم يجد مخالفة في كلمة مغني الفرقة ولم يستبعد أوكرانيا لخرقها شروط المشاركة، وقال ردا على المخالفة الصريحة: "نتفهم المشاعر العميقة حيال أوكرانيا، ونعتبر تعليقات مغني كالوش أوركسترا وفنانين آخرين مجرد تعبير عن الدعم للشعب الأوكراني وهي رسائل إنسانية أكثر منها سياسية"!
اتحاد البث الأوروبي نفسه وبصفته الجهة المنظمة للمسابقة، استبعد روسيا من المشاركة في المسابقة هذا العام غداة بدء الحرب الروسية الأوكرانية. أما على صعيد التصويت الجماهيري، فكانت المفارقة في تصويت جمهور أوكرانيا لصالح المشترك البريطاني. بينما نالت أوكرانيا العلامة القصوى للتصويت من جمهوريات سوفيتية سابقة عدة هي بولندا ومولدافيا ولاتفيا ورومانيا وليتوانيا، وأعطت فنلندا علامة كاملة للسويد.
ووفق قواعد يوروفيجن، تُنظّم الدورة المقبلة في البلد الفائز باللقب، وقال المغني أوليه سيوك أن المسابقة ستقام في أوكرانيا جديدة مندمجة ومزدهرة. ورأى الرئيس الأوكراني زيلينسكي: إن يوروفيجن 2023 يجب أن تقام في ماريوبول الحرّة والمسالمة والمُعاد بناؤها لأن شجاعتنا تثير إعجاب العالم، وموسيقانا تغزو أوروبا.
المخالفة الصريحة لقواعد المسابقة، لم تمنع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، من التهنئة بحصد اللقب وإبداء رغبته في أن تقام يوروفيجن 2023 في أوكرانيا الحرة والموحدة، فيما أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الدعم المطلق من الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا.