جحيم لبناني يتمدد
اقتراب الاستحقاق النيابي المصيري في لبنان، والذي يبدأ الجمعة باقتراع المغتربين في الخارج، جعل لا صوت يعلو على الانتخابات المؤجلة من فترة طويلة، وزاد وتيرة التصريحات النارية وتبادل الاتهامات وكشف فضائح قادة التيارات السياسية وزعماء الطوائف، ودخل على الخط الرئيس ميشال عون، دعما لتيار صهره جبران باسيل، آملا أن يخلفه في رئاسة لبنان عند انتهاء ولايته أكتوبر المقبل.
لجأ الرئيس عون، لأكثر من طريقة منها تحفيز الناس على الاقتراع، وتحميل خصومه مسؤولية انهيار البلد، بعدما دأب في الفترة الأخيرة على اتهام اللاجئين السوريين بتسريع انهيار لبنان، لأن النزوح الكثيف وسيطرتهم على مهن وأعمال اللبنانيين زادت البطالة، وشكل عددهم الكبير ضغطا على الخدمات والبنية التحتية، فضلا عن تهريب الدولار والمحروقات إلى سورية وزيادة معدل الجريمة وغير ذلك.
وكان لافتا مهاجمة الرئيس عون، لحليفيه الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل، بتصريحه علنًا أنه "حان الوقت لمعرفة الحقيقة كاملة عن ظروف وملابسات انفجار مرفأ بيروت الكارثي، وأن يتوقف الاستثمار السياسي والتذرع بالحصانات والثغرات القانونية، لتعطيل التحقيقات في القضية، فمن يعرقل القضاء معروف وسبق أن عرقل تشكيل الحكومة".
بينما لجأت حركة أمل للدفاع عن زعيمها رئيس مجلس النواب نبيه بري، باستعراض القوة ونشر لافتات تهديد، حملت إحداها صورة كبيرة لنبيه بري وعبارة "يا جبل ما يهزّك ريح، ومَن لا يفهم لغة الحقّ سنفرضه عليه بالقوّة"، وفي لافتة أخرى إن "حركة أمل ورئيسها خطّ أحمر من يتجاوزه سنكسر رقبته، ومن يتهجّم سنسحب لسانه".
ويحشد حزب الله الدعم لمرشحيه، للفوز بالأغلبية النيابية التي تمكنه من التحكم في الانتخابات الرئاسية والإمساك بالقرار الحكومي ومفاصل الدولة، ومن بين وسائله الضغط وترهيب المرشحين المنافسين بمن فيهم الشيعة المعارضين لنهج حزب الله، وقد نجح في تفكيك لائحة بناء الدولة، حيث اتهم رئيس اللائحة الشيخ الشيعي عباس الجوهري، حزب الله بالضغط على المرشحين وعائلاتهم حتى ينسحبوا، كما "هددوا البيئة الشيعية التي تدعم لائحة بناء الدولة، وأطلقوا الرصاص تخويفا وتعمدوا التجسس والتنصت علينا وشراء العاملين معنا بالمال".
تغيير التركيبة البرلمانية
وانتهز البطريرك بشارة الراعي، الفرصة ليجدد هجومه على حزب الله، لأن "الشعب يتوق لرفع الهيمنة عن لبنان وعدم تعطيل وتسييس القضاء من النافذين، ولا يريد شريكًا للدولة يصادر قرارها، بل يريد شرعية واحدة وسلاح واحد هو سلاح الجيش".
على الضفة الأخرى، يدير خصوم الرئيس عون وحليفه حزب الله المعركة السياسية، بالتركيز على كبح الانهيار الشامل الذي تسبب فيه حليفي السلطة، ومواجهة سيطرة حزب الله على البلد، من خلال حث اللبنانيين على المشاركة بكثافة لتغيير التركيبة البرلمانية وإنهاء الجحيم الذي يتمدد في لبنان نتيجة الارتهان للخارج.
يرى الزعيم الدرزي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط، أن الانتخابات ليست متكافئة في ظل هيمنة حزب الله، الذي يملك السلاح، لكننا سنخوض المعركة، لمواجهة مشروع حزب الله وداعميه إيران وسورية.
وجدد وليد جنبلاط هجومه على "عهد الرئيس عون، الذي تسبب في كوارث للبلد، ونأمل أن يأتينا رئيس جمهورية مقبول وألا تأتينا كارثة جديدة من حاشية عون أو رئيس يكون أداة بيد حزب الله وتحركه سورية وإيران، خصوصا أن حسن نصرالله أصبح يحدد رئيس الجمهورية بعدما كان المجتمع الدولي يختار الرئيس اللبناني".
وأكد وليد جنبلاط، استمرار الحرب الممنهجة ضده من قبل حزب الله وسورية، بعدما "اغتالوا والدي كمال جنبلاط، في السبعينات لكننا بقينا وصمدنا وسنظل، وحاليا يكمل مسيرة الصمود والمواجهة في البرلمان ابني تيمور".
أما رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، فاتهم وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، بمحاولة عرقلة انتخابات المغتربين، خدمة لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وحلفائه، الذين أبدوا الرغبة في إلغاء انتخابات الخارج وقصرها على الداخل، وطلب جعجع عن طريق نوابه عقد جلسة برلمانية لطرح الثقة في وزير الخارجية، لتحويله الوزارة إلى إمارة تابعة لصهر رئيس الجمهورية جبران باسيل برعاية إيران، مثلما تحولت بقية الوزارات إلى إمارات في ظل سياسة المحاصصة.
أصدر جبران باسيل بيانا قاسيا، استعاد فيه تاريخ سمير جعجع منذ مشاركته في الحرب الأهلية واتهامه في اغتيالات عدة أهمها اغتيال رئيس الوزراء رشيد كرامي، وسجنه انفراديًا أكثر من عشر سنوات، إلى أن أفرج عنه بعفو خاص ليعود إلى الحياة السياسية مستثمرا الحرب والخراب في لبنان.
وأخيرا قاطع زعيم السنة في لبنان رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري، الانتخابات رغم أهميتها، لأن المشاركة ستؤدي إلى تأمين غطاء شرعي لـ حزب الله، وتيار المستقبل لن يكون جسرًا يعبره الحزب فوق أنقاض الشرعية، وقرر الحريري، تعليق العمل السياسي والخروج من دوامة الصراع على سلطة أغرقت لبنان سياسيا واقتصاديا، مع احتفاظ السنة بحق الاعتراض والمواجهة من خارج السلطة، لأنه حين كان رئيسا للوزراء وجزءًا من منظومة الحكم امتنعوا عن الاعتراف بمرجعيته الوطنية، وعليه لن يشارك في جريمة تجديد الثقة بدوامة الصراع.