خطيئة لا تغتفر!
الامتناع عن مساعدة الآخرين هي خيانة للإنسانية وخطيئة لا تغتفر وبخل لا يليق بأصحاب النفوس الكريمة وأنانية لا يرجى من صاحبها خيرًا.. فالله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. تُرى كم من الناس من يمتنع عن مساعدة الآخرين وهو عليها قادر.. وهناك من يحتجب عن المحتاجين ويعرض عنهم ولا يكلف نفسه حتى الرد على اتصالاتهم تجاهلًا لرجائهم وانصرافًا عن التماسهم..
فلا تكن مانعًا للخير بل حافظ على النعم بشكرها وإتمام لوازمها وتذكر دائمًا قول الله تعالى:” وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران: 133،134).. وهي آية تدل على عظم أجر المحسنين والمنفقين في سبيل الله..
وتلك ولا شك رسالة لكل ميسور ومقتدر أن يتخلى عن شح النفس والبخل وأن ينفق مما استخلفه الله عليه من المال؛ فالمال مال الله ونحن مستخلفون فيه يقول الله تعالى: “آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7).. فمن يأبى أن ينال الأجر العظيم؟!
مصر بلا غارمين
رسالات السماء كافة جاءت لتحقيق مقاصد أساسية وهي الحفاظ على الدين، والنفس، والعقل، والنسب، والمال، وهذه الكليات هي التي اتفقت الأديان السماوية وأصحاب العقول السليمة على احترامها وصيانتها بطرق شتى، ولعل مد العون للناس ولاسيما الفقراء هو وسيلة لحفظ النفس وصيانتها من الجوع والهلاك وتعزيز لقيمة الدين في نفوس هؤلاء الفقراء حتى لا يهوي بهم بغض الأغنياء إذا بخلوا عليهم في مهاوي الشقاق والحقد وتفسخ العلاقات وتفكك المجتمعات.
وكما أن الصدقات والزكوات وسيلة للتكافل والتلاحم بين نسيج المجتمع الواحد فهي أيضًا وسيلة لتطهير المال والنفس لقوله تعالى: ”خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا” (التوبة:103). وإذا كان العالم مشغولًا بصراعاته وحروبه وقد نسي التعاون من أجل إسعاد البشرية وتخفيف معاناتها ولم يكفه ما سببته كورونا من فقد لملايين الأرواح وما خلفته من رعب وفزع وتوقف للإنتاج والعمل وتراجع الاقتصادات على اختلافها.. فلا أقل من أن تتنادى أمتنا العربية والإسلامية لمساعدة الفقراء والمحتاجين وأن يتبارى القادرون فيها لقضاء حوائج الناس ولو بالشفاعة الحسنة يقول الله تعالى: “مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء: 85].
مشكلة الغارمين والغارمات من القضايا الاجتماعية الجديرة بالاهتمام في هذه الأيام المباركة وهي تدخل في باب قضاء حوائج الناس.. وقد بادر الرئيس السيسي كعادته لحل مشكلتهم موجهًا بسرعة حصر أعداد المسجونين الفعليين من الغارمين والغارمات ودراسة حالاتهم تمهيدًا للإفراج عن دفعة منهم مع حلول عيد الفطر المبارك وقد عقد لهذا اجتماعًا مع رئيس الوزراء قبل 3 أيام لمتابعة جهود اللجنة الوطنية للحد من تلك الظاهرة في إطار المبادرة الرئاسية "مصر بلا غارمين".
وقد قامت تلك اللجنة بجهود لتوفير حزم متنوعة من أدوات التوعية للغارمين والغارمات واستشارات مالية بسيطة، وكذا صياغة آليات آمنة للإقراض الميسر، ودراسة المشروعات المتعثرة وتوفير الدعم المهني والتقني والتدريب اللازم على كيفية إدارتها، إلى جانب مد مظلة برامج الحماية الاجتماعية للمستحقين من أسر الغارمين والغارمات، ووضع ضوابط وإجراءات لمتابعة مؤسسات الإقراض..
وهي إجراءات محمودة للدولة نرجو أن يتلقف رجال الأعمال الوطنيون الخيط ليمدوا يد العون لكل فقير ومحتاج وغارم لتتحقق الغاية المنشودة التي تسعى الدولة لتحقيقها لتصبح مصر ليس بلا غارمين فقط بل بلا فقراء أو على الأقل تقليل نسبة الفقراء لأقل حد ممكن.