رئيس التحرير
عصام كامل

ولا عزاء للمطبعين

فى مثل هذه الأيام قبل 52 عاما، وتحديدا فى 8 أبريل عام 1970، أراد العدو الإسرائيلى أن يضع حدا لنجاحات القوات المسلحة المصرية خلال حرب الاستنزاف، وإجبار القيادة المصرية على القبول بمبادرة روجرز لوقف إطلاق النار، فشن هجوما وحشيا بـ5 طائرات فانتوم "إف- 4" على مدرسة ابتدائية صغيرة تحوى 86 طفلًا، بقرية مصرية تابعة لمركز الحسينية بمحافظة الشرقية تدعى بحر البقر فقتل 30 طفلًا بريئا، وأصيب 50 آخرين.

 

الطيران الحربى الإسرائيلى الذى حلق على إرتفاع منخفض للغاية، استهدف مدرسة الأطفال المصرية المكونة من 3 فصول، ب 5 قنابل زنة 1000 رطلا، وصاروخين، حولوا المبنى الصغير إلى ركام، اختلط فيه حطام المدرسة بجثث واشلاء زهور أغرقت دمائهم البريئة عشرات الكراسات التى خطت أيديهم الطاهرة بداخلها حروف لا تعرف معنى الكره أو الحقد أو الحرب أو الصراعات.

 

وعلى الرغم من بشاعة الجرم الذى ارتكبه الصهاينة، والذي لم ينج منه سوى 6 أطفال فقط ممن كانوا بالمدرسة، وتدخلت العناية الإلهية فى إنقاذ 44 طفلا تغيبوا عن الحضور فى ذلك اليوم، فقد خرج المتحدث العسكرى الإسرائيلي المجرم مساء ذات اليوم، وإدعى كذبا: "أن الطائرات الإسرائيلية لم تستهدف في غارتها على الأراضي المصرية سوى أهداف عسكرية".

مجزرة إسرائيلية

 

وكعادة الصهاينة الذين يتنفسون كذبا، خرج وزير الدفاع الاسرائيلى السفاح موشى ديان وأعلن فى اليوم الثاني عبر راديو إسرائيل: "أن المدرسة المصرية التي ضربتها طائرات الفانتوم الإسرائيلية، كانت هدفا عسكريا، وليس مدنيا كما يدعى المصريين، وانها كانت قاعدة عسكرية مصرية، وأنهم وضعوا الأطفال فيها للتمويه".

 

وفى محاولة لتضليل الرأى العام العالمى الغاضب، ومحو معالم جريمة إنسانية ستظل عالقة بقادة الكيان الصهيونى أبد الدهر، وجه مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، الكذاب يوسف تكواه رسالة للمنظمة الدولية قال فيها: "ان تلاميذ المدرسة الابتدائية كانوا يرتدون زيا كاكى اللون، ويتلقون تدريبا عسكريا" فى الوقت الذى ادعى فيه راديو إسرائيل أيضا "أن ضحايا المدرسة كانوا أعضاء في منظمة تخريبية عسكرية".

 

ورغم محاولات التضليل الإسرائيلية، إلا أن بشاعة المجزرة ولدت ردود فعل غاضبة وعنيفة وأليمة فى مصر والعالم، حيث اعتبرتها القيادة السياسية المصرية محاولة غير إنسانية لإجبارها على القبول ب مبادرة روجرز ووقف الهجمات العسكرية المصرية على المواقع الإسرائيلية خلال حرب الاستنزاف، وتقدمت بمذكرة احتجاج للأمم المتحدة، طالبت فيها بعقد اجتماع طارئ للدول الأعضاء لمناقشة أبعاد الجريمة، التى جاءت بعد شهرين فقط من المجزرة الإسرائيلية بمصنع أبو زعبل التى سقط خلالها 70 شهيدا مدنيا من البسطاء المصريين.

 

إلا أن أكثر ردود الفعل تأثير على الرأي العام المصرى والعالمى فى ذلك الوقت، جاء من ال 50 طفلًا الذين نجوا من مجزرة بحر البقر، حيث قاموا بإرسال رسالة أليمه إلى بات نيكسون زوجة الرئيس الأمريكى نيكسون قالوا فيها: "هل تقبلين أن تقتل طائرات الفانتوم أطفال أمريكا، هل تقبلين أن تقتل الطائرات أبناءك جولى وتريشيا، هل تقبلين أن تقتل الطائرات أحفادك، هل تعلمين ماذا فعل زوجك بأطفال مدرسة بحر البقر؟".

 

ورغم رد الفعل الدولى الرسمى المخزى من المجزرة الإسرائيلية، إلا أن رد الفعل الشعبى الغاضب فى العالم، كان له أثر واضح داخل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، حيث أجبر الرئيس الامريكى نيكسون على تأجيل صفقة طائرات حديثة كان مقررا أن تحصل عليها تل أبيب، وأجبر الإسرائيليون على الحد من الغارات على المواقع المصرية، ومكن القوات المسلحة المصرية من بناء حائط الصواريخ العملاق، الذى أسقط العديد من الطائرات الإسرائيلية فى حرب أكتوبر عام 1973.

 

 

ولو أن هناك عدالة دولية، لكانت الاعترافات التي أدلت بها الإسرائيلية آمي حاييم التى أسقطت طائرتها الفانتوم فوق مدينة بورسعيد خلال حرب أكتوبر 1973، كفيلة بمفردها بمحاكمة قادة العدو الصهيونى بأكملهم أمام محكمة العدل الدولية، حيث اعترفت "أنها شاركت فى قصف مدرسة بحر البقر، وأن القصف كان عمدا، وأنهم كانوا يعلمون أنهم يستهدفون مدرسة ابتدائية تضم أطفالا، وليس موقعا عسكريا كما ادعى قادة الكيان الصهيونى".

ورغم مرور 52 عاما على المجزرة، إلا أن متعلقات أطفال بحر البقر مازالت حتى اليوم حية بداخل متحف الشرقية القومى بقرية هرية رزنة بالزقازيق، تحكى وتذكر العالم يوميا بمدى وضاعة وجرم الكيان الصهيونى، ولا عزاء للمطبعين.. وكفى.

الجريدة الرسمية