رئيس التحرير
عصام كامل

التزامات الديون الخارجية

هل نستطيع أن نجزم أن ديون مصر الخارجية فى مأمن، وأننا فى وضع اقتصادي يسمح بالوفاء بالتزامات ذلك الدين، بعد أن أقدمت الحكومة على اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد، فى ظل حالة التضخم الخانقة التى ضربت ومازالت تضرب كل دول العالم، بحكم الانعكاسات السلبية لجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية؟

بالتأكد أن السؤال حيوى وهام ويدور فى أذهان الجميع، فى ظل التوقعات بتأثر مصر بالظرف العالمى، وما قد يتبعه من انخفاض حاد في إيرادات البلاد من العملات الأجنبية، فى مقابل ارتفاع العجز فى الموازنة بسبب ارتفاع أسعار واردات البلاد من القمح والبترول والسلع الأساسية.

 

الواقع يقول أن مصر قد لجئت إلى صندوق النقد الدولي منذ عام 2016 عدة مرات، كانت بدايتها الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، تلاه قرضا العام الماضي بقيمة 2.77 مليار دولار نتيجة للتداعيات السلبية لجائحة كورونا، ثم قرضا آخر ضمن برنامج الاستعداد الائتماني بقيمة 5.2 مليار دولار، بخلاف دعما بقيمة 2.8 مليار دولار حصلت عليه مصر ضمن المخصصات  التي وزعها صندوق النقد على الدول الأعضاء لمواجهة تداعيات فيروس كورونا، لترتفع قيمة الدين الخارجي المصرى طويلة الأجل- طبقا للبيانات المعلنة من البنك المركزي المصري فى يونيو الماضي - إلى 137 مليار و850 مليون دولار، إلى جانب 13.7 مليار دولار ديون قصير الأجل.

تصدير الغاز المصرى 

 

وعلى الرغم من ارتفاع حجم الديون الخارجية المصرية، إلا أن الواقع يؤكد أن الحكومة قد نجحت خلال السنوات الماضية فى الوفاء بكافة التزامات وأقساط القروض الخارجية، مما جعل المؤسسات الاقتصادية العالمية تقر -قبل الهزه الاقتصادية العالمية الحالية- بأن الدين المصرى مازال في الحدود الآمنة، وأن احتياطات البلاد من النقد الأجنبي يكفي لتغطية متطلبات خدمة ديونها الخارجية على مدى السنوات الثلاث القادمة.

 

غير أن واقع التضخم الذي عصف بموازنات كل دول العالم خلال الشهور الأخيرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، قد يجعل من إقدام مصر على مزيد من القروض نوعا من المجازفة غير المحسوبة، فى ظل التوقعات السلبية للازمة العالمية، وما قد يتبعها من انخفاض واردات البلاد من العملة الأجنبية، وفوائد الديون السابقة التى تلتهم نحو 580 مليار جنيه تمثل نحو 32% من قيمة مصروفات الموازنة التي تبلغ نحو 1.8 تريليون جنيه.

 

وعلى الرغم من وجود مخاوف بشأن تحمل مصر لمزيد من الأعباء نتيجة لارتفاع فاتورة خدمة الدين الخارجي بعد طلب الحصول على القرض الجديد من صندوق النقد الدولي، إلا أن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستبدال الدولار بالروبل الروسى فى المعاملات التجارية مع الدول غير الصديقة، والذى استهدف به الرد على العقوبات الأمريكية الغربية على روسيا، قد يكون بمثابة طوق النجاة للحكومة المصرية فى حالة تطبيقه، حيث ستضطر كثير من الدول الأوروبية الإعتماد على الغاز المصري كبديل للغاز الروسى، للتغلب على صعوبات الدفع بالعملة الروسية..

 

مما سيفتح الطريق أمام تدفق سيولة نقدية كبير بالعملة الأجنبية للخزانة المصرية، تساهم بشكل كبير فى الوفاء بالتزامات خدمة فوائد الديون، وتحد من الضغط على الموازنة، وتخفف من القيود على الاستيراد التى اضطرت إليه الحكومة مؤخرا للحفاظ على السيولة النقدية من العملات الأجنبية.

 

المؤكد أن الحكومة المصرية لن تستطيع فى ظل الظروف العالمية الجديدة تحقيق ما كانت تطمح إليه من تحقيق عجزا كليا فى الموازنة كان مخططا الا يزيد عن 6.6% ولاسيما وأن هناك تصميم على السير فى نهج الاقتراض الذى سيرهق الموازنة بالمزيد من الفوائد، فى ظل احتياجات تمويلية تزيد عن 1.068 تريليون جنيه، تمثل ما يزيد عن 7٠1% من إجمالي الناتج المحلي المصري.

 

 

الثابت أن الظرف العالمى قد وضع الحكومة فى مأزق، غير أننى أتمنى إلا تلجأ فى مواجهاتها لتداعيات القرض الجديد لذات النهج الاقتصادى الاسهل الذى تتبعه منذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادى فى عام 2016 بالاقدام على تقليص دعم الفقراء، خاصة بعد موجهة الغلاء غير المسبوقة التى ضربت الأسواق المصرية فى أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية وتعويم الجنيه، والتى أرهقت كاهلهم بأعباء قد يكون مرددوها الاجتماعي غير محمود، وليبقى الإقلاع عن الاقتراض حلم مرهون بإرادة الرب.. وكفى.

الجريدة الرسمية