منتخب الصدفة
لا خلاف على أن كثيرا من مبارايات كرة القدم في العالم لا تنتهى دائما لصالح الفريق الأقوى أو الأفضل أداء، بل يتدخل القدر احيانا لحسم تأهيل فريق أو إقصاء آخر، غير أن الذي لا يصدق أو يرد فى ذهن أكثر الناس تفائلا، أن تحدث هذا المفاجأة ويعود أملا مفقود لفريق أو منتخب بعد صفارة النهاية، وهذا ما حدث بالفعل.
فخلال التصفيات المؤهلة لكأس العالم في السويد عام 1958 عم الحزن مقاطعة ويلز الانجليزية، بعد أن عاند الحظ منتخبهم الوطني وفقدوا الأمل في التأهل للمونديال بعد أن كانوا على بعد خطوات من بلوغ حلم التأهل لأول مرة، إلا أن القدر أطاح بفريقهم الوطنى إلى المركز الثاني خلف منتخب تشيكوسلوفاكيا الذي احتل صدارة المجموعة.
غير أن القدر شاء منح الأمل فى التأهل من جديد للويلزيين بعد أن ضاع بشكل كامل، بعد أن تدخلت لعبة السياسة التى جعلت كل منتخبات الدول المشاركة في المجموعة الآسيوية يرفضون جميعا مواجهة المنتخب الإسرائيلي، الذى وجد نفسه فجأة متأهلا لتصفيات كأس العالم دون خوض مباراة واحدة.
أمل جديد
غير أن التأهل الفريدة لمنتخب الكيان الصهيوني بمثل ذلك الشكل وضع الاتحاد الدولي لكرة القدم في ورطة أمام كل منتخبات العالم التى خاضت التصفيات وأخفقت في التأهل رغم الأداء المشرف، وهو ما دعاه إلى عقد اجتماع لمناقشة الأمر، وانتهى بعد مداولات إلى رفض صعود المنتخب الصهيوني إلى نهائي تصفيات كأس العالم دون مواجهات، واستحداث ملحق للتصفيات يخوض من خلاله مباراتين فاصلتين بنظام الذهاب والعودة مع أي من المنتخبات الأوروبية التي احتلت المركز الثاني في التصفيات، على أن يصعد الفائز في مجموعهما إلى كأس العالم بشكل مباشر.
ومنعا للشبهات قرر الاتحاد الدولي تحديد المنتخب الأوروبي الذي سيخوض مبارتي الملحق من خلال قرعة علنية، تم خلال مراسمها وضع أسماء كل المنتخبات الأوروبية من أصحاب المركز الثانى داخل "كأس جول ريميه" وسحب اسم المنتخب الذى سيمنح أمل جديد فى الصعود لكأس العالم.
وبالفعل ابتسمت القرعة للمنتخب البلجيكي، الذي خاض خلال التصفيات مباريات غاية فى الروعة والقوة واحتل المركز الثاني في مجموعته، ومنحه القدر فرصة جديدة للظهور مع الكبار في المونديال العالمى، غير أن الحكومة البلجيكية تدخلت على الفور ورفضت بشكل قاطع مواجهة منتخبها للمنتخب الصهيوني، ولم يجد الاتحاد الدولي حلا أمام الرفض البلجيكى سوى إعادة إجراء القرعة، التي أسفرت فى تلك المرة عن منح ويلز أملا في التأهل من خلال مواجهتين مع منتخب هزيل.
وبالفعل سافر المنتخب الويلزي إلى تل أبيب، وحظى باستقبال حافل من الإسرائيليين، الذين أهدوا كل لاعب من لاعبي الفريق الضيف صندوق من برتقال يافا، كان بالنسبة لكل منهم بمثابة الذهب، وأقام لهم السفير البريطاني فى تل أبيب حفل استقبال، زين خلاله كل مبنى السفارة بحزم من نبات الكراث، ليمنح لاعبي الفريق شعور بأنهم في وطنهم.
الطريف، أن الفريق الويلزي ظل طوال فترة اقامته فى تل أبيب يؤدون تدريباته مجبرا دون كرة، بعد أن أبلغهم الاسرائيليون انه ليس لديهم كرات للتدريب، ورغم ذلك نجحوا المنتخب الضيف فى الفوز بمباراة الذهاب خارج ملعبه بهدفين مقابل لا شيء.
الجوهرة السوداء
ولأن السفر بالنسبة للإسرائليين لم يكن في تلك الفترة مألوفا ويعد من النوادر، فقد اعتبر منتخب الكيان الصهيوني سفره لأداء مباراة العودة بملعب "نينيان بارك" بويلز بمثابة رحلة للاستمتاع، حيث لم يتوقفوا طوال فترة إقامتهم عن التنزه في مدينة كارديف التي تضم ملعب المباراة، وذهبوا إلى السينما في كوين ستريت وزاروا العديد من الأماكن، وعادوا إلى تل أبيب يجرون ذيول الخيبة بعد أن خسروا المباراة الثانية بذات نتيجة المباراة الأولى.
وعمت فرحة الصعود غير المتوقع أرجاء ويلز، التى اتفقت كل وسائل الإعلام في العالم على إنها لا تمتلك الحد الأدنى من فرص التأهل لأي من الأدوار الأعلى في منافسات المونديال، خاصة بعد أن أوقعتها القرعة في مجموعة قوية للغاية، ضمت كل من المجر وصيفة مونديال عام 1954 والسويد الدولة المنظمة، والمكسيك بطلة أمريكا الجنوبية.
غير أن المنتخب الويلزى خيب توقعات الجميع، وأخذ يتقدم خلال منافسات البطولة والفوز بمباراة تلو الآخرى، إلى أن صعد للدور قبل النهائى وسط ذهول من كل متابعي كرة القدم في العالم، إلى أن اصطدم في مباراة الدور قبل النهائي بالمنتخب البرازيلي المرشح الأول للفوز بالبطولة، ورغم ذلك قدم الولزيون مباراة رائعة، وانهزموا بهدف وحيد أحرزه لاعب صاعد أسمر وموهوب لم يتعد عمره الـ 17 عاما يدعى بيليه سطر إسمه منذ ظهور في تلك البطولة كأحد أبرز أساطير كرة القدم في العالم.
العجيب أن هدف الجوهرة السوداء بيليه كان بمثابة اللعنة التي أصابت المنتخب الويلزي الذي كان حديث العالم خلال تلك النسخة، حيث غابت ويلز عن كل المحافل الكروية القارية والعالمية قرابة الـ 60 عاما، ولم تظهر سوى فى نهائيات بطولة الأمم الأوروبية عام 2016.
دعونا نعيش الوهم، فكثيرا ما عشناه وسنظل نعيشه برغبتنا ورغم انوفنا، ولا تدرى، لعل القدر يتدخل ويبتسم للمصريين ويعد لنا الأمل المفقود.. وكل عام وحضراتكم جميعا بألف خير.