رئيس التحرير
عصام كامل

مراقد آل البيت ومشاهد الصحابة في حضن الإهمال (4)

تحدثنا في المقال السابق عن أزمة عدم الإعلام والتوعية والتثقيف بالآثار العظيمة الممثلة في المقامات والمزارات والأضرحة الخاصة بآل البيت والعلماء والأولياء والصحابة. 

المأساة الأكثر خطورة تتبدى في ترك تلك المواضع الطاهرة عرضة للاستباحة والاحتلال والسرقة، فنجد الكثير من تلك الأماكن محتلة من أناس لا علاقة لهم بنسب صاحب الضريح، لكنهم يدعون أنهم من الأحفاد، وأن من حقهم استغلاله، مثلما هو الحال مع ضريح سيدنا الإمام ورش بمقابر المقطم.. 

مقبرة ورش

 

وسيدنا ورش هو صاحب إحدى الروايات السبع المشهورة والمهمة للقرآن الكريم، وقد ولد بمصر عام 110 هجرية في إحدى حارات مدينة قفط جنوب محافظة قنا بصعيد مصر، وعاش فيها فقيرًا، يبيع رءوس الماشية! وحين تعلم قراءات القرآن شد رحاله إلى الفسطاط التى عاش بها وعلم تلاميذه في مسجد عمرو بن العاص. واستمرت قراءة ورش السائدة في مصر، ولها الشيوع والانتشار حتي دخول العثمانيين إليها عام 1517 م، حيث عمموا قراءة حفص عن عاصم.

 

والغريب أن رواية ورش انتشرت في دول المغرب العربي، وغرب أفريقيا، وتشاد، وليبيا وغيرها. وتوفي الإمام ورش عام 197 هجرية ودفن في مقابر المقطم، ولم يكن لنا أن نصل إلى مكان مقبرة الإمام ورش إلا بعد أن دلنا أحد سكان المنطقة -وهو خريج كلية أزهرية- إلى مكانها، ومع ذلك لم نتمكن من دخولها لأن المحتلين أغلقوها بالضبة والمفتاح، وباب حديدي ضخم!!

 

مقبرة سيدنا أبى القاسم

 

أحد أكبر الجرائم التى وقعت هى ما حدث لمقام سيدنا أبي القاسم، والد السيد يحيى الشبيه. ولمن لا يعرف فهذه الأسرة المباركة ألح حاكم مصر أحمد بن طولون لاستضافتها، وناشدهم الحضور إلى الكنانة لينال المصريون البركة، فوافق السيد يحيى الشبيه، وسُمِّي بهذا الاسم نظرًا لشدة شبهه بجده سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم.. حتى أن الناس حينما كانوا يرونه لا يملكون أنفسهم من أن يكبروا ويصلوا على سيدنا النبي، صلى الله عليه وآله وسلم.

وسيدنا القاسم هو والد السيد يحيى الشبيه بالنّبيّ، صلى ‌الله‌عليه ‌وآله ‌وسلم، ووالد السيدة (أم كلثوم بنت القاسم)، ومشهده قريب من مشهدها، وقريب منهما مشهد (يحيى الشبيه).

 

القاسم الطيب

وكان القاسم الطيب من عباد الله الصالحين الأخيار، من أحفظ النّاس لحديث رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم، كتبت عنه أربعمائة محبرة. قال الرازي: وأولاده يعرفون بـ "الطيارة"، ويعرفون أيضا بـ "الكلثميين".

 

وقد ذكروا أنّه كان بمكة يدعو الله تعالى وقد اقشعر جسده، فقالوا له: ما هذا؟، فقال: إنّي لأستحي أن أدعوه تعالى بلسان ما أديت به حق شكره. ومناقبه رحمه ‌الله كثيرة. 

وتروي كتب التاريخ أن ضريحه يتكون من حجرة مربعة، تعلوها قبة تقوم على ثمانية أضلاع، وبالمكان ثلاثة محاريب، وشاهد القبر غاية في البساطة.

مقبرة عامة

 

المكان راح ضحية للإهمال، والتجاهل، بل وتحول إلى مقبرة عامة، مفاتيحها في يد "تربي"، ولا يكاد يعرف هذا القبر أحدٌ إلا من يقصده من الباحثين والزوار. ولم نجد مكانًا نقف فيه لنتأمل المشهد الذي كان، في يوم من الأيام، رائعًا.. المقام يكاد يدفن تحت الأرض، تنزل إليه بعدة درجات متهالكة، لو لم تنتبه جيدًا فيمكن أن تسقط على الفور!!

 

 

الرطوبة والمياه الجوفية

رائحة المياه الجوفية تملأ المكان، والرطوبة أتت على معظم النقوش الجميلة.. حتى اللوحة الوحيدة المعلقة على أحد الجدران عبارة عن أبيات تحاول شرح النسب الشريف.

 انتابنا الأسى والأسف، ونحن نشاهد، متحسرين، المزار الذي دمره الإهمال.. ويمكن أن ينهار في أي لحظة. ولا أدري كيف كان الوضع أثناء السيول المتلاحقة التي ضربت أجواء مصر في الشتاء!!

الجريدة الرسمية