رئيس التحرير
عصام كامل

مراقد آل البيت ومشاهد الصحابة في حضن الإهمال (1)

لن أنسى ماحدث أثناء زيارتي لإحدى الدول الشقيقة، حينما انتهت فعاليات المؤتمر الذي كنت أحضر فعالياته، ليبلغنا مستضيفونا بأن ثمة زيارة تم تجهيزها لنقوم بها إلى متحف افتتحه حاكم تلك الدولة حديثًا، ويفخرون بدعوة زوار البلد لمشاهدة ما يضمه من آثار. ذهبت مع زملائي من مصر، وكانت الصدمة؛ ذلك أننا اكتشفنا أن مثل تلك الآثار لو صادفناها في الشارع لدينا لما التفتنا إليها، وربما توجد في قرى جنوب مصر وشمالها أقدم منها.

 

والحقيقة أن مصر تحتضن كل أنواع الآثار، وهذا ما يعرفه الكافَّةُ، ولكن لفرط كثرتِها لا نهتمُّ بها، ونسمحُ للإهمال بأن يغتالها، ونرضى للتجاهلِ بأن يدمرها. حديثي هنا، يتعلق بالآثار التي تمثلها مراقد آل بيت رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وأضرحة العديد من الصحابة، ومقامات الصالحين والشهداء.

بقيع مصر

 

من يعاينُ المدافنَ الموجودة قرب المقطم، والتي تسمى بقيع مصر، مثلًا، يكتشف حجم الكارثة، وللأسف فنحن مشاركون فيها، كلنا، ولا أستثني أحدًا؛ حكومة، ومواطنين، وعلماء، ورجال دين، ومشايخ، ونقابات، لا سيما التي يتقاطع نشاطها وأهدافها، ونطاق عملها مع هذا الملف الخطير.

في سلسلة المقالات هذه، سنستعرض عددًا من هذه الآثار البديعة، التي تتمنى دول كثيرة أن تنعم ببعضها، ولا تحلم بأن تحتضن كل هذا العدد.

 

المقامات والمزارات والأضرحة والمشاهد لا تقتصر مساجد ومقامات سيدنا الإمام الحسين، والسيدة زينب، وسيدنا علي زين العابدين، والسيدة نفيسة، والسيدة رقية.. هناك كثير من الأضرحة والمقامات تحتاج، بشدة، للعناية والاهتمام، مثل: مقام ومسجد السيدة سكينة، وسيدنا محمد الأنور، عم السيدة نفيسة، وسيدات آل البيت مثل: السيدة فاطمة العيناء، والسيدة أم كلثوم، والسيدة فاطمة النبوية، وغيرهن.

 

من المؤسف أن مسجدًا يضم ضريح إمام عظيم مثل الليث بن سعد، لا يجد من يحنو عليه، فيترك فريسة عوامل التعرية، والقمامة، حتى بات مستقرًّا للقطط والفئران، وغيرها.

 

يمكن للدولة استغلال هذه الآثار لصناعة نوع جديد من السياحة، الخارجية والداخلية، من خلال إيلائها مزيدًا من الاهتمام، وتوثيق تواريخها بمختلف الوسائل والأدوات المطبوعة والمرئية، كالكتب والموسوعات والأفلام الوثائقية، مستخدمة أيضًا وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، مثل فيس بوك وإنستجرام ويوتيوب، وغيرها، وتكثيف الحراسة، والتطوير، وإنشاء ممرات تربط بينها، وتوفير وسائل مواصلات، وتنظيم رحلات دورية بأسعار في متناول الغالبية، ومتوسطي الدخل..

 

بالإضافة إلى تقديم مساعدات مادية وعينية لإغراء البسطاء المقيمين حول الأضرحة والمراقد لحمايتها والحفاظ عليها، وإقناعهم باتباع السلوكيات الصحيحة والتصرفات الراقية نحو المقامات ليضمن استمرار المساعدات المقدمة إليهم، خاصة أن مناظر هؤلاء الناس تشوه المشهد، وتسيء إلى صورة مصر بأكملها.

 

الإمام الحسين

 

دعونا نبدأ برمز آل البيت في مصر، وكبير الأولياء، وأقرب الأقربين من رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وسبط النبي، وسيد الشهداء؛ الإمام الحسين، صاحب المشهد العظيم، والمسجد الأشهر.. ففي السنة الرابعة من الهجرة المباركة، وفي المدينة المنورة، وُلِد سبطا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الحسنُ والحسين.

 

وجاءت ولادة الحسين بعد أخيه الحسن بسنة وعشرة أشهر. هو الإمام العظيم أبو عبد الله الحسين بن علي، بن أبي طالب، بن عبد المطلب بن هاشم، بن عبد مناف، القرشي الهاشمي، خامسُ أهل الكساء، وأمُّه التقيةُ الطاهرةُ المباركةُ، السيدةُ فاطمةُ الزهراء، سيدةُ نساءِ العالمين، بنتِ سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.

 

سيدُنا وإمامُنا الحسين، رضي الله عنه، سبطُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وسيدُ شبابِ أهلِ الجنة. هو من قال عنه ابن عساكر أنه "كان دائمَ الكرمِ يقضي للناس ديونَهم ومغارمَهم، ولم يكن يومًا يُحسبُ من المبذرين". ووصفه الرواة بأنه شجاعٌ ومقدامٌ منذ صباه يحطم الفرسانَ تحطيمًا، وهو أبو عبد الله، وأبو سكينة. كان الإمام الحسين يشبه جدَّه، سيدَنا محمد صلالله عليه وسلم، من حيث الشكل والهيئة. 

 

تعلم وسمع من جده الرسول، عليه الصلاة والسلام، فحدث عنه، وعن أبويه، وعن الفاروق عمر، وطائفة أخرى. كان سيدنا الإمام الحسين، رضي الله عنه، عالـمًا مبجلا، وسيدًا معظمًا محترمًا، يُجله الناسُ وكبراء أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر وعثمان، وغيرهم من طليعة القوم، ويعرفون ما للحسين من قدر ومقام..

 

 

فقد وردت في شأنه الفضائل وتعددت فيه المكارم فكان صفوة من الرجال وخيرة من القوم، عابدًا زاهدًا خاشعًا كثير العبادة، فاضلا يكثر من الصلاة والصيام والحج، حتى قيل إنه حج خمسًا وعشرين حجة ماشيًا، وكان كريمًا كثير الصدقات يرحم المسكين ويعين الضعيف، شملته دعوة جده صلى الله عليه وسلم لما جلله هو والحسن وفاطمة بكساء، ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، اللهم أذهب عنهم الرجس، وطهرهم تطهيرًا».

وللحديث بقية

الجريدة الرسمية