حال أهل محبة الله
سألني أحد المحبين عن سر سفري الدائم وكثرة ترحالي وزياراتي للأولياء والصالحين شرقا وغربا وتحمل كل ما أعانيه من جهد ومشقة في السفر والترحال مع تقدم السن الذي أشرف على السبعين والمرض؟ فأجبته: أهل محبة الله تعالى قلوبهم متعلقة بمحبوبهم عز وجل لا تميل لغيره ولا تحن إلى سواه. وأعتقد أني واحدا منهم.. أحوالهم تختلف عن أحوال العباد. أجسادهم في الأرض وأرواحهم محلقة حول العرش هائمين في المحبوب.
أكبادهم تحترق بنيران الأشواق يكادوا أن يموتوا شوقا إلى اللقاء. وهم الذين إستجابوا إلى دعوة محبوبهم عز وجل إلى محبته وطاعته والزهد في الدنيا كما أشار الله تعالى إليهم فيما أوحاه عز وجل إلى سيدنا داود بقوله تعالى: ياداود أبلغ أهل أرضي أني حبيب لمن أحبني. وجليس لمن جالسني. ومؤنس لمن آنس بذكري. وصاحب لمن صاحبني. ومختار لمن إختارني. ومطيع لمن أطاعني. ما أحبني عبد أعلم ذلك يقينا من قلبه إلا قبلته لنفسي وأحبتته حبا لا يتقدمه أحد من خلقي. فأرفضوا يا أهل الأرض ما أنتم عليه من غرورها وهلموا إلى كرامتي ومصاحبتي ومجالستي. وائنسوا بي أؤانسكم. وأسارع إلى محبتكم. فإني خلقت طينة أحبائي من طينة إبراهيم خليلي وموسى نجي ومحمد صفي. وخلقت قلوب المشتاقين من نوري ونعمتها بجلالي.
وصف أهل المحبة
هذا وفي وصف لحالهم وما هم عليه روى بعض السلف أن الله تعالى أوحى إلى بعض الصديقين: إن لي عبادا من عبادي يحبوني وأحبهم ويشتاقون إلي وأشتاق إليهم. ويذكروني وأذكرهم. وينظرون إلي بعين قلوبهم وأنظر إليهم. فإن حذوت طريقهم أحببتك وإن عدلت عنهم مقتك. قال داود يارب وما علامتهم؟ قال: يراعون الظلال بالنهار كما يراعي الراعي الشفيق غنمه ويحنون إلى غروب الشمس كما يحن الطائر إلى وكره عند الغروب.
فإذا جنهم الليل وإختلط الظلام وفرشت الفرش ونصبت الآسرة وخلا كل حبيب بحبيبه. نصبوا إلي أقدامهم وأفترشوا إلي وجوههم وناجوني بكلامي وتملقوا إلي بإنعامي. فبين صارخ وباك. وبين متأوه وشاك. وبين قائم وقاعد. وبين راكع وساجد. بعيني ما يتحملون من أجلي. وبسمعي ما يشتكون من حبي. أول ما أعطيهم ثلاث: أقذف من نوري في قلوبهم فيخبرون عني كما اخبر عنهم. والثانية: لو كانت السموات والأرض وما فيها في موازينهم (أي حسنات) لإستقللتها لهم. والثالثة: أقبل بوجهي عليهم. فترى من أقبلت عليه يعلم أحد ما أريد أن أعطيه؟.
هذا وأهل محبة الله تعالى يعانون من مرارة اليتم وألم الغربة فالدنيا ليست بدارهم ولا موطن سكنهم ولا مقام لهم فيها. ولذا هم في سفر وترحال دائم وسياحة في الله تعالى دائمة. من مقام إلى مقام ومن برزخ إلى برزخ وحيث تحن الروح وحيث يوجد أهل الله تعالى وطلابه من المريدين والمحبين. فيالهم من مساكين حيارى. يبتسمون ويضحكون جهرا وقلوبهم حزينة وأكبادهم مشوية مليئة بالشوق والحزن والحنين.
وهذا التعلق والشوق قديم منذ أن أشرق الحق عز وجل على أرواحهم بأنوار صفات ربوبيته وخاطبهم سبحانه وتعالى بقوله (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ). أنجذبت أرواحهم إلى حضرة ربهم عز وجل لحظة الإقرار والشهود في عالم الذر والأرواح. عالم ألست بربكم. وأعتقد أن نيران الأشواق في القلوب للمحبوب لا ولن تنتهي ولن تتوقف بل تتزايد كل لحظة. وأعتقد أن القلوب لن تهدأ والأشواق لا ولن تسكن إلا عند اللقاء. لقاء المحبوب عز وجل.