من أعمالكم سلط عليكم
يعاني ويأن ويتوجع العالم العربي والإسلامي من الأمراض والأوبئة وسوء الحياة المعيشية. والغلاء الفاحش المستمر وشدة المؤونة وشح المطر. وجور بعض الحكام. وطمع الغرب في ثرواتنا وما في أيدينا. هنا أسئلة تطرح نفسها. وهي: لماذا تزداد أحوالنا سوءا يوم بعد يوم؟ ولماذا ظهرت أوبئة وأمراض وتفشت فينا لم تكن في أسلافنا الجدود وآباء الجدود؟ ولماذا نعاني من الجدب والسنين وشدة المؤونة وجور بعض الحكام؟ ولماذا منعنا المطر في أوانه؟ ولماذا سلط الله علينا عدونا وأخذوا منا بعض ما في أيدينا؟ ولماذا جعل الله تعالى بأسنا بيننا؟ ولما يعاقبنا الله تعالى وما الحكمة الإلهية في ذلك؟ وما المخرج مما نحن فيه ومما نعاني منه؟
الابتلاءات والحكمة الإلهية
للإجابة على هذه التساؤلات نعود إلى هدي الحبيب المصطفى الهادي البشير السراج المنير صلى الله عليه وسلم وعلى آله.. فقد أخبرنا بنور نبوته عن كل ما ذكرناه من محن وابتلاءات وآوبة وأمراض وجدب السنين والغلاء وسوء المعيشة والأحوال وأوضح لنا الأسباب فيما رواه الترمذي وإبن ماجة، عن عبد الله ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال:
أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله يوما وقال: (يا معشر المهاجرين خمس إذا إبتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن (١) لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا (٢) ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم. (٣) ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا المطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا. (٤) ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم. (٥) وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)..
هذا ومن المعلوم أن الجزاء من جنس العمل وتأتي المصائب والبلايا على أثر معصية البشر وابتعادهم عن هدي الله ورسوله. يقول تعالى (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ).. هذا وأما الحكمة الإلهية في الإبتلاءات أشار الله تعالى إليها في آيات كثيرة في كتابه الكريم. منها قوله تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
هذا ولقد أشار الحق سبحانه وتعالى إلى أسباب الراحة والنعيم في الدنيا ورفع البلاء وفيض السماء بالرحمات والخيرات والبركات في قرآنه العظيم. حيث يقول تبارك في علاه: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
هذا عن أسباب سوء الأحوال وضيق المعيشة وغلو الأسعار وارتفاعها المستمر وتفشي الأوبة والأمراض التي لم تكن في الأزمنة السابقة. وجور بعض الحكام والجدب والسنين. وكل ما تعاني الأمم والشعوب منه ولا سبيل للخروج مما نحن فيه إلا بالرجوع إلى الله تعالى وطاعته وتقواه والأخذ بهدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله وإحياء سنته الرشيدة. ويجب أن نعلم وندرك جيدا أنه لا تغيير في الأحوال التي نعاني منها إلا بتغيير أحوالنا وعودتنا إلى هدي نبينا الكريم لقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)