قراءات في معجزة الإسراء والمعراج (1)
من آن إلى آخر يطل علينا أهل الضلال والتضليل من العلمانيين وأصحاب المعتقدات الفاسدة بحملات تشكيك وتكذيب في ثوابت الدين ومنها معجزة الإسراء والمعراج. ومنهم من يقول افتراء وكذبا إنها كانت رؤية منامية. ومنهم من يقول إنها كانت بالروح فقط من غير الجسد وهذا افتراء وسوء فهم للخطاب القرآني الذي أشار إلى أن الرحلة كانت بالروح والجسد لقوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا). أي روحا وجسدا ومنهم من ينكر الرحلة والمعجزة أصلا ويشككك في صحتها ويصورها على أنها درب من الخيال وهؤلاء هم من ينتمون للإسلام شكلا ممن ابتاعوا دينهم بعرض من الدنيا وعملوا لخدمة المؤامرة الصهيونية الأمريكية الغربية المحاكة ضد العالم العربي والإسلامي.
وهؤلاء معلوم غايتهم من حملتهم لإفساد العقائد والدين والتضليل والإساءة إلى القرآن والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله والتشويش على المسلمين وفتح باب الجدل والخلاف لشق صف الأمة.. هذا ومعجزة الإسراء والمعراج معجزة خالدة تفوق كل المعجزات التي أيد الحق عز وجل بها الرسل والأنبياء عليهم السلام، وهي مؤكدة ثابتة بنصوص قرآنية محكمة قاطعة في كتاب الله تعالى الكريم المحفوظ بحفظ الله تعالى ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه في سورتي الإسراء والنجم.
الإيمان والقلب
ففي سورة الإسراء يقول تعالى مشيرا إلي رحلة الإسراء بقوله: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). هذا عن رحلة الإسراء. وأما عن رحلة المعراج فيقول عز وجل في سورة النجم: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴿1﴾ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴿2﴾ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴿3﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴿4﴾ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴿5﴾ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ﴿6﴾ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ﴿7﴾ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ﴿8﴾ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ﴿9﴾ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴿10﴾ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴿11﴾ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ﴿12﴾ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ﴿13﴾ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ﴿14﴾ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ﴿15﴾ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ﴿16﴾ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴿17﴾ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴿18﴾)
هذا ومن المعلوم أن الأصل في صحة الإيمان هوالإعتقاد بالأمور الغيبة، كما جاء في الحديث النبوي الشريف في تعريف الإيمان وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وقضاء الله خيره وشره). ومعلوم أن العقل البشري معقول ومحدود وليس له عمل في الأمور الغيبية وهو عاجز تماما عن تصور وتوهم وتعقل القدرة الإلهية التي لا يُعجزها شئ. وهناك قضايا إيمانية للعقل فيها نظر وبحث ومحل كقضية وجود الله تعالى ووحدانيته. وذلك من خلال النظر في مظاهر طلاقة القدرة الإلهية وعظيم الإبداع الإلهي في عالم الخلق تلك الآيات التي دعا الحق سبحانه وتعالى إلى النظر والإمعان والتفكر والتدبر فيها من خلال آيات قرآنية كثيرة. وأن هناك قضايا إيمانية متعلقة بالقلب والذي هو مناط الإيمان ولا دور للعقل البشري فيها.
هذا ولا شك أن معجزة الأسراء والمعراج لها دلالات كثيرة تشير إلى مكانة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله ومنزلته الخاصة عند ربه تعالى وتلقيه صلى الله عليه وسلم الوحي من الله تعالى مباشرة: (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) دون واسطة الأمين جبريل عليه السلام أمين الوحي الإلهي. وهذا مظهر خص به الرسول الكريم من مظاهر الوحي الإلهي.. ومن الدلالات أيضا مقامه صلى في حضرة القرب على بساط أنس حضرة ربه تعالى ومولاه كما أشار الحق سبحانه بقوله: (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ﴿8﴾ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى). من الدلالات أيضا على خصوصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله أنه رأى من آيات ربه تعالى الكبرى التى لم يطلع عليها رسول ولا كائن ما كان من الكائنات. هذا وهناك قراءات كثيرة في هذه الرحلة المباركة والمعجزة الخالدة سوف أتحدث عنها بمشيئة الله تعالى في المقالات القادمة..