فكروا بعقولكم!
آخر شىء تحتاجه مصر الآن في خضم الحرب الأوكرانية التى اندلعت مؤخرا هو التعامل بعواطفنا تجاهها.. ففى عالم السياسة، خاصة سياسة الدول لا مكان للعواطف، وإنما الأمر يحتاج دوما أن نحتفظ بعقل بارد، لآن المصالح المباشرة هى التى تتحكم في الأمور وتوجهها دوما.. ونحن لنا مصالح مباشرة ومهمة مع روسيا ومع أيضا أوروبا كلها وكذلك مع أمريكا التى تقود الآن تحالفا غربيا ضد الروس..
وبالتالى نحتاج أن نحكم عقلنا حتى نقلل من تداعيات تلك الحرب على مصالحنا، وهى التداعيات التى لن نفلت من آثارها، سواء الاقتصادية أو الاستراتيجية على مستوى العالم، مثل كل بلاده، لأنها ليست حربا محدودة بين بلدين، وإنما اكتسبت منذ اندلاعها طابعا عالميا، فهى لم تندلع لمجرد نزاع على مساحات من الأرضين روسيا وأوكرانيا..
وإنما اندلعت لما هو أكبر من ذلك وأوسع، وتحديدا الصراع الدائر منذ سنوات على شكل ومسار ومستقبل النظام العالمى، بعد أن ضاقت قوى عديدة بالنظام أحادى القطبية الذى تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية منذ انهيار الاتحاد السوفيتى وانتصارها في الحرب الباردة.. وبالطبع فإننا سوف نتأثر مثل غيرنا أيضا من الدول بما ستتمخض عنه تلك الحرب بالنسبة لمستقبل النظام العالمى والذى ستكون نتيجة هذه الحرب لها دورا مهما فى صياغتها.
مصالح اقتصادية وعسكرية
والعقل الهادئ ينبهنا إلى أكثر من حقيقة يجب ألا تغيب عن بالنا.. أولها أن عالم القطب الواحد أسوأ من العالم متعدد الأقطاب.. فإذا كان العالمين لا يهتمان بمصالح الآخرين، إلا أن الأول يمنح عادة بعض هامش للمناورة لدول العالم الثالث في إطار المنافسة بين القوى العظمى، وهذا الهامش لا وجود له في عالم القطب الواحد الذى يغرى بالاندفاع في الإضرار بالدول النامية من قبل هذا القطب الواحد، وهذا ما خبرناه عمليا فى الثلاثة عقود الماضية.
ثانيا إن روسيا ليست الإتحاد السوفيتى السابق وتتبنى ذات النهج الاقتصادي الذى تنتهجه الدول الغربية، ولا تتعامل مع الدول الأخرى لمنظور أيدلوجى وإنما من منطلق المصالح.. وذات الشىء يجب أن نفعله معها.. ونحن لدينا مصالح اقتصادية وعسكرية معها.. الاقتصادية لا تقتصر فقط على استيراد القمح وجلب السائحين منها، وإنما تشمل أيضا قيامها ببناء أول محطة نووية لنا لتوليد الكهرباء وإنشاء منطقة خاصة صناعية فى منطقة قناة السويس.. أما المصالح العسكريةَ مع روسيا فهى تتمثل في إنها مصدر مهم وأساسى للحصول على السلاح لنا يجب الحفاظ عليه.
ثالثا إن أوروبا هى الشريك التجارى الأول لنا والسوق الأساسية لصادراتنا التى نخطط لزيادتها، كما إننا نجحنا خلال السنوات السابقة ان نقيم علاقات عسكرية مع بعض دولها مثل فرنسا وألمانيا ومن المهم الحفاظ على تلك المصالح التى تربطنا بالأوروبيين.. وذات الشيء ينطبق على الولايات المتحدة أيضا.
ولذلك فإننا لا يجب أن نتخلى عن أعمال العقل ونحن نتخذ مواقفنا إزاء هذه الحرب التى بدأنا بالفعل نعانى من تداعياتها الاقتصادية وأبرزها الارتفاع في أسعار النفط.. ولن يفيدنا الشطط والاندفاع غير المحسوب الذى نتابعه الآن في تحليلات جنرالات المقاهي الذين احتلوا مواقع التواصل الاجتماعى الآن.