رئيس التحرير
عصام كامل

متى تقام دعوى مخاصمة القاضي؟ (1)

العدل هو أساس السموات والأرض، واسم من أسماء الله الحسنى وهو الوجه الآخر للظلم، ويجب أن تقترن العدالة بالقوة بحيث يصبح كل شيء عادلًا قويًا، وكل قوي عادل، والعدل له أنواع كثيرة فمنها العدل بين المتخاصمين، والعدل في الميزان، والعدل في إعطاء حقوق الناس، فإن العدل هو مطلب مطالب به كل الناس، وخاصة فئة القضاة التي يعتبر العدل هو أساس عملها، لذلك يقوم القضاة بتطبيق العدل والمساواة بين جميع أفراد المجتمع.

وتحيط بالقضاة في العالم أجمع، وفي مصر خاصةً هالةً من الهيبة والوقار، شاء من شاء، وأبى من أبى، ولكن تلك الهالة وليدة سلوك قويم وعقل رشيد وفكر سديد، وأسبغ القضاة على أنفسهم بأن كان سلوكهم أرقى مما فرضه عليهم الدستور وطالبهم به القانون، فصاروا محل تقدير وثقة المجتمع بأسره، ووظيفة القاضي لها قدسية وإجلال واحترام، وتتطلب في شاغلها أعلى قدر من الحيدة والنزاهة والتعفف والاستقامة، والبعد عن الميل والهوى.


مخاصمة القضاة

 

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مخاصمة القضاة، ودعوى مخاصمة القاضي ترفع على القاضي نتيجة ممارسة عمله في القضاء وليست شخصية ولها حالات وردت على سبيل الحصر عبر المادة (494) من قانون المرافعات، والتي تنص على أن "تجوز مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة في الأحوال الآتية:

1ـ إذا وقع من القاضي أو عضو النيابة في عملهما غش أو تدليس أو غدر أو خطأ مهني جسيم

2ـ إذا امتنع القاضي من الإجابة على عريضة قدمت له أو من الفصل في قضية صالحة للحكم وذلك بعد إعذاره مرتين على يد محضر يتخللهما ميعاد أربع وعشرين ساعة بالنسبة إلى الأوامر على العرائض وثلاثة أيام بالنسبة إلى الأحكام في الدعاوى الجزئية والمستعجلة والتجارية وثمانية أيام في الدعاوى الأخرى، ولا يجوز رفع دعوى المخاصمة في هذه الحالة قبل مضي ثمانية أيام على آخر إعذار

3ـ في الأحوال الأخرى التي يقضي فيها القانون بمسئولية القاضي والحكم عليه بالتعويضات

 
محكمة الاستئناف

 

وتنص المادة (495) من ذات القانون المعدلة بالقانون رقم 18 لسنة ١٩٩٩ على أن ترفع دعوى المخاصمة بتقرير في قلم كتاب محكمة الاستئناف التابع لها القاضي أو عضو النيابة يوقعه الطالب أو من يوكله في ذلك توكيلًا خاصًا، وعلى الطالب عند التقرير أن يودع خمسمائة جنيه على سبيل الكفالة.


ويجب أن يشتمل التقرير على بيان أوجه المخاصمة وأدلتها وأن تودع معه الأوراق المؤيدة لها، وتعرض الدعوى على إحدى دوائر محكمة الاستئناف بأمر من رئيسها بعد تبليغ صورة التقرير إلى القاضي أو عضو النيابة وتنظر في غرفة المشورة في أول جلسة تعقد بعد ثمانية الأيام التالية للتبليغ، ويقوم قلم الكتاب بإخطار الطالب بالجلسة.

 

وتنص المادة (496) منه المعدلة بالقانون رقم ١٤٢ لسنة ٢٠٠6 على أن تحكم المحكمة في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها وذلك بعد سماع الطالب أو وكيله والقاضي أو عضو النيابة المخاصم حسب الأحوال وأقوال النيابة العامة إذا تدخلت في الدعوى، وإذا كان القاضي المخاصم قاضيًا بمحكمة النقض تولت الفصل في جواز قبول المخاصمة إحدى دوائر هذه المحكمة في غرفة المشورة.


المحكمة الابتدائية

 

وتنص المادة (497) منه على أنه إذا حكم بجواز قبول المخاصمة وكان المخاصم أحد قضاة المحكمة الابتدائية أو أحد أعضاء النيابة لديها حدد الحكم جلسة لنظر موضوع المخاصمة في جلسة علنية أمام دائرة أخرى من دوائر محكمة الاستئناف ويحكم فيه بعد سماع الطالب والقاضي أو عضو النيابة المخاصم وأقوال النيابة العامة إذا تدخلت في الدعوى، وإذا كان المخاصم قاضيًا في إحدى محاكم الاستئناف أو النائب العام أو المحامي العام فتكون الإحالة على دائرة خاصة مؤلفة من سبعة من القضاة بحسب ترتيب أقدميتهم، وأما إذا كان المخاصم مستشارًا بمحكمة النقض فتكون الإحالة إلى دوائر المحكمة مجتمعة.


كما تنص المادة (٤٩٩) منه المعدلة بالقانون رقم 76 لسنة ٢٠٠٧، على أنه إذا قضت المحكمة بعدم جواز المخاصمة أو برفضها حكمت على الطالب بغرامة لا تقل عن أربعمائة جنيه ولا تزيد على أربعة آلاف جنيه وبمصادرة الكفالة مع التعويضات إن كان لها وجه، وإذا قضت بصحة المخاصمة حكمت على القاضي أو عضو النيابة المخاصم ببطلان تصرفه وبالتعويضات والمصاريف.


قانون المرافعات المدنية والتجارية

 

ويتبين من النصوص السالفة من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وهو القانون المطبق في شأن إجراءات وشروط مخاصمة قضاة محاكم مجلس الدولة، طبقًا لحكم الإحالة المنصوص عليه في المادة الثالثة من القرار بقانون رقم (٤٧) لسنة ١٩٧٢ بإصدار قانون مجلس الدولة- أن المشرع قد افرد دعوى مخاصمة القضاة بقواعد وإجراءات خاصة، بقصد توفير الضمانات للقاضي في عمله، وأحاط ذلك بسياج من الحماية، بما يجعل القضاة في مأمن من كيد العابثين الذين يحاولون النيل منهم، والمساس بكرامتهم وهيبتهم، بمقاضاتهم لمجرد التشهير بهم، ومن ثم وجب الالتزام بأحكام تلك القواعد الخاصة، والتي من بينها أن الفصل في دعوى المخاصمة يتم على مرحلتين:

الأولى: مرحلة الفصل في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى، وجواز قبولها
الثانية: مرحلة الفصل في موضوعها إذا قضي بجواز المخاصمة، إما برفضها، أو بصحتها والتعويض وبطلان التصرف

 

 

وقد حدد المشرع حالات وأسباب المخاصمة على سبيل الحصر، ومنها وقوع الغش والتدليس، والخطة المهني الجسيم؛ والمقصود بالغش في هذا المقام: هو ارتكاب القاضي الظلم عن قصد، بدافع المصلحة الشخصية، أو الكراهية لأحد الخصوم، أو محاباة الطرف الآخر.. وللحديث بقية

الجريدة الرسمية