وأفلتوا بجرائمهم
مرت الأيام سريعًا، وأفلت بعض المجرمين بجرائمهم من يد العدالة، بعد أن سقطت تلك الجرائم بالتقادم، والتقادم في القانون من النظام العام الذي لا يمكن مخالفته، ونحن، ولا شك نحترم القانون، ونُعي الأسباب التي من أجلها قرر المشرع سقوط الجريمة بعد مضي مدة معينة، ولكننا اليوم نبحث عن الدروس المستفادة من سقوط تلك الجرائم، ونعرض الجانب المظلم من القصة الحزينة ليتجنب الشرفاء تكرارها في المستقبل.
وعودٌ على بدء، فقد سبق أن نادينا بسد باب السيارات الحكومية وتقليص مجال إستخدامها قدر المستطاع، فيومًا بعد يوم تخرج علينا مخالفات تبدو في ظاهرها مجرد تجاوزات، وهي في حقيقتها إختلاس وإستيلاء على المال العام، وتبدو تلك الجرائم بسيطة القيمة، هينة الأثر، والحقيقة أنها تكبد الدولة ملايين الجنيهات بعيدًا عن الصالح العام، حين يظن كل مجرم أن السيارة الحكومية ملكٌ له، يذهب بها حيث شاء ومتى شاء، ومن بعده يظهر بعض السائقين غير الأمناء الذين يختلسون الوقود، وبعض الفنيين الذين يدعون اعطالًا غير حقيقية، وغير ذلك الكثير من الجرائم.
وتُعد مخالفات إستخدام السيارات الحكومية أشبه بجريمة القتل التي ظهرت مع بدء خلق الإنسان، فما أن ظهرت السيارات الحكومية بشكل واسع حتى إستشرت جرائم العدوان على المال العام متمثلًا في تلك السيارات، وحددت التعليمات 20 مرور الصادرة عن إدارة المرور المركزية بوزارة الداخلية في ٦٤/١١/٤ المخالفات التأديبية لمركبات الحكومة والقطاع العام، حين إستشعرت الدولة خطورة تلك المخالفات، ثم توالت التعليمات والقرارات لمحاولة تحجيمها دون جدوى.
السيارات الحكومية
واليوم نمزج بين مأساتين، الأولى: العدوان على المال العام متمثلًا في السيارات الحكومية، والثانية: سقوط تلك الجرائم بالتقادم رغم نشرها أكثر من مرة دون أن يتحرك أحد، ولان وقع تلك الأحداث ثقيل على الشرفاء، فسنكتفي بسرد أقوال سائقين رفضا السير مع تيار الفساد، فلقيا من التنكيل ما دفع غيرهما لمراجعة أنفسهم خوفًا من البطش بهم، وإليكم بعض تلك الأقوال.
بسؤال (أ د أ) السائق بهيئة النيابة الإدارية بالتحقيقات أمام قاضي التحقيق المستشار محسن مبروك، قرر بأنه كان يعمل مسئولًا عن توزيع الوقود بهيئة النيابة الإدارية سابقًا لوحدة السيارات التابعة لإدارة النيابات وإنه عمل بهذه الوظيفة، وقد نقل من وحدة السيارات إلى نيابة التعليم بلا وظيفة ولا عمل.
شهادة السائق
وأضاف بأن طبيعة وظيفته تجعله يشرف على تسليم الوقود وتوزيع السيارات بإدارة المركبات وأن المستشار تيمور فوزي مصطفى كامل رئيس هيئة النيابة الإدارية الأسبق مخصص لسيادته أربع سيارات أرقام، ٤٩1 ماركة بي إم دبليو، وأخرى بيچو برقم ١٨٤ وثالثة هيونداى برقم ١٧٣ ورابعة نيسان صنى برقم ٦٤٨.. وأن هذه السيارات الأربعة يصرف لها شهريًا ما يُعادل ألفى لتر وقود ويقوم سائقوا السيد المستشار رئيس الهيئة بإستلامها.
وأورد المذكور فى التحقيقات بأن لجنة من الجهاز المركزى للمحاسبات كانت قد حضرت لمراجعة وجمع المعلومات في هذا الشأن وأن رئيس وحدة السيارات (ي ف أ) قد أجبر على أن يقدم للجهاز المركزى للمحاسبات كشف غير مطابق للحقيقة وصوري يتضمن ما يشير إلى توزيع ثلاث سيارات من السيارات الأربعة المخصصة لرئيس الهيئة موزعة توزيعًا صوريًًا على بعض إدارات الهيئة وأكد أن سائقى المستشار تيمور فوزي مصطفى كامل رئيس هيئة النيابة الإدارية الأسبق هم الذين يتسلمون لحسابه دفاتر الوقود الخاصة بالسيارات الأربعة.
وشدد السائق عبر شهادته أمام قاضي التحقيق أن الكشف الذى أجبر رئيس وحدة الوقود على التوقيع عليه والمقدم للجهاز المركزي للمحاسبات كان الهدف منه التغطية على واقعة تخصيص أربع سيارات للمستشار تيمور فوزي مصطفى كامل رئيس هيئة النيابة الإدارية الأسبق لما قد يمثله ذلك التخصيص من مخالفة للتعليمات المنظمة، وقدم صورة ضوئية من كشف توزيع السيارات الفعلي، والذي يتضمن تخصيص أربع سيارات للسيد رئيس الهيئة الأسبق، كما قدم صوره ضوئية من كشف تسليم عهدة الوقود متضمنًا ما يخص السيارات الاربعة من إستلام الوقود المخصص لها.
الفي لتر وقود شهريًا
وبسؤال (ي ف أ) الموظف بهيئة النيابة الإدارية قرر بالتحقيقات أمام قاضي التحقيق المستشار محسن مبروك بأنه يعمل رئيسا لوحده السيارات بهيئة النيابة الإدارية وأنه تسلم العمل بناء على قرار إداري من مدير إدارة النيابات، وأكد على أن المستشار تيمور فوزي مصطفى كامل رئيس هيئة النيابة الإدارية الأسبق قد خصص لسيادته أربع سيارات ماركة بيجو ونيسان صني وبي إم دبليو وهيونداي.. ويصرف لهذه السيارات ما يعادل الفي لتر وقود شهريًا
وأضاف بأنه قد أجبر على التوقيع على كشف تخصيص صوري قدم للجهاز المركزي المحاسبات يتضمن على خلاف الحقيقة أن سيارة واحده هي البيجو ٤٠٧ المخصصة للسيد رئيس الهيئة، وأن السيارات الثلاثة الأخرى التي كانت مخصصه لسيادته تم تخصيصها لنواب رئيس الهيئة بمكتبه بالمخالفة للحقيقة، والذين لا يعرف أسمائهم وأكد على صورية ذلك الكشف وانه أعد بمناسبة طلب الجهاز المركزي للمحاسبات بيانا بتوزيع سيارات الهيئة وقدم المذكور صوره ضوئية من الكشف المشار اليه المخالف للحقيقة وصورة من كشف التخصيص الفعلي الحقيقي.
كان ذلك قطرة من بحر الفساد، ونذكر من تلك القطرة صرف "ألفي لتر بنزين شهريًا لسيارة واحدة" في إطار من الفساد المُقترن بالتزوير والاختلاس الذي لا تحتمل بلادنا في ظل الجمهورية الجديدة أن يتمدد هواء ذلك الفساد بين ربوعها، والحكم اليوم للقراء، ومتخذي القرار الشرفاء، فقد سقطت الجرائم بالتقادم.. وللحديث بقية